قي، وما ينجو من هذا التقليد اللاشعوري غير النفوس المطمئنة بالإيمان، التي تقيم الصلاة ويربيها طُهر المسجد، وتزداد مع كل آيةٍ تُتلى فقهاً وسكينة وتوازناً، ويقع في الورطة هاجر الصلاة، الأصم عن سماع القرآن.
مع ذلك، وفي الجو المدلَهِمِّ: أُصِرُّ على أن أقول: عيدكم مبارك أيها الأبطال الأحرار، أيها المنارات، وهنيئاً لكم، فإن ما حدث لكم هو بقَدَر الله تعالى ونتأول خيراً وتفسيراً حَسَناً: إن الله سبحانه يريدكم أئمة قادة زعماء للناس، وشعب الإمارات اليوم معظمه معكم، ويتخذكم مَثَلاً أعلى، ويحبكم، ويحترمكم، ويغازلكم، وتلك هي اللذة الحقيقية، وذلك هو تمام النجاح، وفيه الدلالة على أن الله يرضى عنكم، ويصطفيكم، ويضمكم إلى قبيلة (أهل الله)، فطُوبى لكم، ثم طوبى، واسعد الله أيامكم، وعيدكم مبارك رائق، وقد رفعتم رؤوسنا ورأس كل أحرار الخليج، رفع الله شأنكم في الدنيا والآخرة، وتقبّل منكم صبركم وبذلكم يا أعمدة الإسلام، وقد نجحتم في الامتحان، ونحن شهود، والقلوب اليوم تتنافس في الاكتيال من حبكم، وعَزَمَت على السير خلفكم واتخاذ قصتكم منهجاً تربوياً، وجعْلِ عملكم الإصلاحي خُطة دائمة تستقيم بها الوجهة.
وكنتُ قد مِلتُ إلى السكوت بين العيدين لأن بعض أهل الحكمة نصحونا بذلك، لئلا تستفز كلماتي الظالم، ورجوني أن نمنح فرصة لحل الأزمة بالحسنى، فكان سكوتي، فازداد الظلم، وارتفع العدد إلى الضِعف، ووصل السبعين، فدلّ الوضع على أن الأمرِ مُبَيّتٌ، وأن الإنصاف غائبٌ، وأن المزاجية هي التي تتحكم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، والعياذ بالله من قلبٍ صَلدٍ لا يخشع، ومن عقلٍ أضلّه التعطيل، ومن نفسِ فقدت استقلالها فذابت في تقليد عُتاة المخابرات.
ميزان حركة الحياة عبر الأجيال في كل الأُمم: أنه لابُدّ أن يُراق دمُ حُرٍّ ليتحرك الشعب في درب طلب الحرية ويكونَ رفعٌ بعد خفضٍ. هو ميزان لم تختلط به شائبة الخطأ، والرصد التجريبي يشهد له. والظواهر العامة في المجتمع الإماراتي صارت كأنها المقدمات لحدوث رفض يتحول إلى حيصة، وأهم هذه الظواهر: ارتفاع البركة الربانية والنحت السريع في رصيد المال، فالإمارات تستثمر (600) ستمائة مليار، وذهبت الأزمة العالمية بثلث ذلك وانخفض رأس المال إلى (400) أربعمائة مليار، بخسارة مائتين، والقلب الإيماني فقط هو الذي يفسر ذلك بغضب من الله تعالى يرفع البركة، وإن زاد الظلم وامتد وقته: فليجزم المراقب للأحداث بحدوث مزيد انخفاض، وليُنذر الشيخ محمد بأن ثلثاً آخر سيذهب، ثم أنواع بلوى نفسية وأمنية وخيانة من الحاشية، وذلك لأن الأمر كله مُفتعل، والتهمة للدعاة مزورة، وهم مسالمون تماماً.
ولينظر الشيخ محمد كيف استفادت إيران من فجوة الثقة التي اخترعها، بحيث جدّدت دعمها للحوثي في اليمن، ثم زحفت نحو الإمارات وسارت نصف الطريق اللازم لها، بحيث أقنعت الثعلب الماكر المتشيع علي الجفري بالثورة أيضاً، وأمدته بالسلاح والتدريب والأموال والمعلومات الاستخبارية، فثار في حضرموت، وهناك اليوم فرقعة وهيجان وجهر بالسوء، وحضرموت جارة الإمارات، ومنها قد يكون الزحف عبر الربع الخالي إلى الإمارات، فيكون غزوها في عُقر دارها بعملية التفافية ذكية، بطلها: الجفري ربيب الشيخ محمد المدلل، والذي أسنده بالمال والدعاية وأنواع التمكين، ثم أعلن رافضيته وطعن الإمارات من الخلف، مستغلاً الفراغ الحادث بعد رمي عشرات الدعاة الخُلّص في السجون، وكل ذلك من الختم الرباني على القلب العدواني، والمستقبل يُبشّر بمزيد، والحبل على الجَرّار، وكنا نحب أن يتطوع أحدٌ نبلاء الإمارات فيقول للشيخ محمد بشجاعة: على رسلك، إن السوء زاحف، فرمّم، وصِل ما انقطع، وارجع بالأمر إلى نِصابه الأول. ولكن لا أحد ينصح، والله إذا أراد أمراً: أجرى أسبابه، وأثار العواصف، لتموت العواطف، ويطغى القلق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
والقضية باختصار: شيخٌ مولعٌ بالمجازفة... ورعية خائفة.
لذلك سيغضب الله على الجميع.
بينما إيران تغلي، متبرمة من الخمينية التي تعيش آخر أيامها، ولو كان هناك تخطيط سليم في الإمارات، وعقل يفكر في ظِل الإيمان، لبادرَ فوراً إلى إطلاق سراح المظلومين، وقام بتوحيد الجبهة الشعبية، وتركيز كل القوة باتجاه إسناد التيار الإصلاحي الإيراني المتنامي الذي سيوجه السهم الأخير للخمينية، ويوقف تصدير الثورة، ويجفف منابع الحوثي والجفري وحزب الله وفيلق بدر وجيش المهدي، ليعيش الخليج كله دون قلق، هناك فرصة حقيقية تاريخية ربما لا تعيد الأيام مثلها، ومن أعجب العجب أن المخابرات الإماراتية لا تراها، ولا تنصح الشيخ باستثمارها وغلق ملف السجناء، ومفتاح الاستدراك أن يكون على رأس المخابرات مدير ذكي وافر الفراسة، مع عدل وإيمان، ليقرأ ما بين السطور، فينتفض ويشير بخطة بديلة لا تعادي الدعاة، وليس كالمدير الحالي المأسور إلى بلادة زكي بدر، وحقد علاّم، وخربطات دحلان.
هناك في طهران الحل ، في إسناد تيار الإصلاح الإيراني..!
ورجال القضية: هم القابعون وراء قضبان دار المخابرات الظبيانية..!
وأنتم يا أبناء زايد: اسمعوها مني صريحة:
محمد يسير بكم في الطريق الخطأ، وفي الخطة الخطأ.
لا عداوة نضمرها لكم، بل الأعداء: الشعوبيون وراء الساحل الآخر.
وليست البطولة في أن تتهم سجيناً مستضعفاً زوراً وبُهتاناً.
بل البطولة في أن تنتصروا على الشيطان المغري بالسوء، فتحكموا بالعدل.
انصحوا أخاكم .. لئلا يكون الثبور..
اتقوا دعوة المظلوم في الثلث الأخير من الليل..
عرش الرحمن سبحانه يهتز.. غضباً..
لن يفلت ظالم.. أبداً، والعقوبة الربانية ستلاحقه جزماً.
أنتم في غنىً عما أقحمكم محمد فيه..
وأنت يا شيخ محمد بن زايد:
افهم اللعبة.. هناك من وسوس لك ودفعك إلى اعتقال قادة المؤمنين من أجل أن يورطك فتضعف فيزيحك من طريقه.
هل هو قابوس يردّ على محاولة شراء بطانته؟
ربما، ولكن تحليلاتنا تقول بوجود لاعب آخر في الساحة ينافسك، ويتمنى لك الورطة والقلق وتلويث السمعة... لينفرد.!
والمفروض أن تكون أذكى مما أبديت..
انتفض على نفسك واصرخ بين الكثبان..
أنت في كل الحسابات خاسِر.
إن أعدمتَ بعض المؤمنين فسيفور الدم وتتنغص حياتك..
والأخبار تقول أن الأرق يفتك بك الآن ولا تنام الليل فكيف لو تابعتك أشباح المعدومين؟ سيكون ذلك سبب عذاب نفسي لك ولأهلك.
وإن أنت أبقيتهم مساجين فستتحول المحنة إلى قضية سياسية دائمة لها صروح وتماثيل شاخصة تجلب اهتمام كل أهل الخليج، بل كل العرب، بل كل أمة الإسلام، وستزداد سمعتهم أنهم قادة الحرية، وأنك قائد الطغيان.
وإن أنت أطلقت سراحهم فهذه عودة إلى المربع الأول بعدما جعلتهم زعماء.
والحل: الصُلح مع الله أولاً، ومع أهل الله ثانياً، والنجاة من خطة التوريط المحكمة التي أرادت تشويه سمعتك.
ويا حكام الإمارات الساكتون حِرصاً على أعطياتٍ من الشيخ محمد: سيأتي الدور عليكم واحداً بعد الآخر.
سيمص محمد لُبّكم ويتفلكم في النهاية قِشرا.
ولي وقفة مع شيخ الشارجة بخاصة: فهمنا أنك ناصِري وقد امتلأ قلبك كراهية لدعاة الإسلام.
ولكن: هذا سلطان بن كايد ابن عمك
أبهذه السهولة تتخلى عنه..!!
أنت تُصلي، ومن إيحاء الصلاة في نفس صاحبها أن بقية المصلين أينما كانوا هُم أقرب إليه من غير المصلين.
أفما تجد داخل نفسك معنى واعظاً؟ فتنطق لصالح ابن عمك! أو أن تسكت عن ترداد الباطل على الأقل.
أم هي صلاة بلا فقه وفهم لموازين الإيمان؟
ويا رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد:
يشتهر الخبر اليوم أنك مريض بالسرطان ، ولك طول العمر ، أفتريد أن تلقى الله ثقيل الذمة ويكون سجن المؤمنين أو إعدام بعضهم آخر عملك؟ انتفِض.
والذي بلغنا أن كل القضاة من الإماراتيين رفضوا قبول مهمة القضاء في هذه القضية، لوضوح بطلانها، فيُشكرون على ذلك، وقبلها سوداني له سابقة انتماء للحزب الشيوعي، ويسمى فلان بن أبّشر، أي آدم أبو البشر، والإدغام هنا يدل على أنه من أصل زنجي غير عربي، ويغلب على الزنوج أنهم يكرهون العرب وثقافتهم الغربية جعلتهم يفهمون أن العرب استعمروا السودان، لذلك سيحقد ويظلم في قضائه، ويماشي هوى الشيخ تنفيساً عن مكنونه.
ولكن إياك يا محمد أن تلعب اللعبة الخطرة وتتمادى في الظلم
لا محاولة قلب نظام بالقوة، ولا بطيخ، وهي شنشنة نعرفها من أخزم ومن المخابرات.
سيكون دم الأبرار لعنة عليك، ولن تُفلح أبداً.
أنت تعلم أن دستور الإمارات لا يحكر رئاسة الدولة لشيخ أبو ظبي، وإنما هي دوريةٌ وينتخب الشيوخُ الرئيسَ كل خمس سنوات، ولكن الشيخ زايد بقوة شخصيته جعلها محكورة عليه وعطّل نص المادة، وهناك اليوم من يتوقع أن يؤولَ الأمر إليك، ولذلك دفعك لتلطيخ يدك بأذى المؤمنين، ليستعملها حُجة ضدك في أنك لا تصلح للرئاسة، فيأخذها منك، فدسّ من هَمَس لك بسجن الأحرار، وانطلى عليك الأمر، فغاصت رجلك في الوحل، وأصبحت مأسوراً إلى عمل رديء الفحوى، رديء الإخراج، رديء العاقبة، وثبت أنك ساذج مهما افتخرت بذكاء..!!
وتعال نتصارح: إذا ضاقت عليك الأرض يوماً بما رَحُبت بعد كيدٍ دولي أو إقليمي لا تتوقعه: إلى أين تلجأ؟ وبمَن تستعين؟
أإلى عُمان: حيث قابوس له حساب معك ويكون ذلك يومه للتسوية، فيهبك أحد قصوره وتبقى فيه حبيساً..!
أم إلى قطر: لكنها مهندسة الربيع العربي والتغيرات.!
أم إلى الصحراء والرُبع الخالي: فتكون كالمستجير من الرمضاء بنار أشدّ منها حَرّا.
أم تعبر الخليج فتكون في يد عدوك.!
لن ينجدك في مثل ذلك اليوم العصيب غير النجباء الذين حبستهم، لأن أخلاقهم حضارية، وآفاقهم معرفية، ونفوسهم سوية، وهم لا يعرفون الحقد والانتقام والتصرفات الهابطة، بما ملكوا من استعلاءٍ روحي وطباعِ كرم ونجابة أصول وشرف تعامل، وبما لهم من سندٍ عالٍ في رواية العلم عن الأكابر والأئمة الذين علموهم أن تكون لهم قضية إصلاحية تنموية شاغلة تطلعهم على المستقبل وابتساماته ونسيان الماضي وآلامه، وهم في ذلك اليوم سيفتحون الصدر واسعاً، لأنهم يريدون مواصلة بناء الإمارات يداً بيد مع الشيوخ والوصول بها إلى دولة نموذجية عصرية تسعد تحت راية الإسلام وفي ظلال القرآن، وقد ارتبطوا قلبياً بتاريخ نشأة الإمارات وخطوات الانطلاق، حيث كانوا الجزء الشعبي الأهم فيها، وبذلوا في إرساء الأساس بذلاً، في التعليم والقضاء والحياة المسجدية، وساهموا عبر جمعيات الإصلاح في بناء القاع التحـتـي الشعبي للوحدة الإماراتية، وسقي الجذور، وإنكار العصبيات القبائلية والمحلية الجهوية، يداً بيد مع الشيخ زايد وصحبه، وحفظوا بشكل خاص المنطلق الإيماني الإسلامي لدولة الإمارات الذي هو جزء من شخصيتها، ثم بذلوا الكثير بشكل أخص في تربية جيل من شباب الإمارات على الإيمان والجدية والروح التعاونية، وصار هذا الجيل الجدي المتزين بالصلاة والعفاف ومكارم الأخلاق هو الضمانة أمام غفلة جيل آخر تصرعه الماديات والثروة، والله الضامن، ولذلك فإن هؤلاء الأحرار السجناء يريدون لبذلهم القديم أن يستمر، وقد امتزجوا بالقضية روحياً، واصبحوا يريدون للإمارات الانتقالات الهادئة المدروسة، ويجفلون من التغيرات الجزافية السريعة، ويرون ذلك عين الحكمة، وسيبقون أهل إخلاص للحكومة والشيوخ، ليس من باب التبعية العمياء التي يوجد مثلها عند البعض من الناس، ولكن من باب أن الحكومة والشيوخ هم جزء من النهضة لا يتجزأ، وسمحوا لأنفسهم بتقديم الاقتراحات والآراء إلى الجهات العليا من باب أن الطاعة الواعية تستلزم ذلك، وأن التنمية لابُدّ لها من رقابة إصلاحية شعبية تحقق التكامل، وتلك هي فلسفة خطتهم ونشاطهم التي لم تستوعبها المخابرات فصالت وجالت بالتحريش والتحريض وبقيت توغر صدر الشيخ محمد حتى صرعته، فانفتح بذلك مجال لمن ينافس الشيخ محمد أن يتهمه الآن أو لاحقاً بالافتقار إلى الحكمة، وافتعال الأزمات، وإثارة ما هو ساكن، مما يتنافى مع أخلاق وصفات المقامات الرئاسية.
هذا تحليل له شواهده العديدة، وحين يتخلى النفعيون عمن أسال لهم المنافع ويخذلوه في ساعة العسرة، لما يرون من اختلاف الحسابات: فإن الخط الإصلاحي الإماراتي بقيادة سلطان بن كايد وحمد رقيط وخالد الشيبة وأمثالهم سيبقى الوفي، لأنه فرض على نفسه الالتزام بالمبادئ المثالية العليا، ورهن نفسه لمصلحة الإمارات، فهو يزدري الانتقام والثأر، ويفتح الصدر واسعاً لمن يريد أن يبني ويوحد الشعب مهما سَلَف منه إيذاء لهم، لأنهم يوقنون أنهم يتعاطون أمراً تنموياً عظيماً، أحد أركانه: التنمية الإيمانية الأخلاقية للشعب، ومن المتوقع أن يدافع الفساق عن آخر حصونهم وخنادقهم بتوغير صدور الشيوخ، ولذلك لابُدّ للمؤمنين من صبر وسماحة وحلم.
فيا تُرى: أين نجد شيخاً منطقياً يفهم منطقنا النموذجي هذا؟
أكاد أنفجر يأساً، أو أسارع إلى تمزيق ردائي، ورمي غترتي وعقالي، واقتحام الفلوات والأرباع الخالية، والعيش في القطب الجنوبي.
ولكن مواعظ القرآن والسيرة والتاريخ تردني، وأن مع العسر يسراً، وأن الفرج مؤكد بعد كل شدة، وأن الواهم يفيق، والمغشوش يتنزل عليه وعي، وأنه سيأتي يوم يرفع المؤذن فيه صوته فيقول: لقد انتهى عهد الخوفِ من احتمالات الإرهاب السياسي ، من الدولة ، ومن الأحزاب والجماعات معاً ، فمن دخل دار ابن كايدٍ فهو آمن، ومن دخل دار حمدٍ فهو آمن، ومن دخل دار خالدٍ فهو آمن، كائناً من كان ، لأن الداخل إلى هذه الدور الكريمة سيكون من جُملة البُـناةِ التـنمويـين ، وفي عِـداد أهل الخيرات والنجدات ، ومن ضمن سِـربِ أهل الأخلاق والمروءة ، وبكل ذلك تتحقق صورة من الأمنِ الاجتماعي المثالي يعجزُ الأمن السياسي أن يخترع مثلها مع أنها من ضرورات العيش الإسلامي ، وذلك لِـما طَـرأ على معنى السياسة من علمانية جـرّدتها من الروح الايمانية التي تُكملها ، وذلك هو الميزان الشرعي الذي كان عامراً في الامة قديما ثم اضعفته الأشكال التنفيذية المعاصرة لمعنى السياسة، وجيل الاصلاح ، ومنهم السجناء ، قد رصدوا أنفسهم لإحياء هذا السمت من السياسة الشرعية التي تمزج الموقف بالدين والإيمان ومكارم الاخلاق ، ولكن الناس لا يعلمون ، ثم الشيوخ لا يدرون مثل هذا الخبر والفهم الذي يدفع تيارات الاصلاح الى الإصرار على احتلال مواقعها للمشاركة في مسيرة الاستدراك ونهوض الأمة من جديد ، بل ذلك معلمٌ أصيلٌ من معالم الحضارة الاسلامية إذا أردنا لها جولة جديدة تقود فيها بقية الأمم.
وبهذه الروح الواثقة نظمتُ قصيدتي الجديدة من بحر مجزوء الرَمَـل في شرح قضية الإصلاح في الإمارات، وطلبت لها البركة من خلال اشتقاقها من نشيد الأنصار رضي الله عنهم في الترحيب بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقلت:
طَلَعَ البدرُ علينا
نُورُهُ ضاءَ البراري
يَا ملِيكَ الكونِ راقبْ
خُطةً تهدمُ داري
في إمارات عُمانٍ
نزوةٌ ألغت حِـواري
وهذا لأن الإمارات كانت تسمى: إمارات عُمان، وكنا وكان الجميع فيها سعداء في ظل حوار بين الحاكم والمحكوم يوضح الشبهة ويزيل سوء التفاهم إذا سعى أحد بوقيعة وقطيعة، وفجأة انقطع الحوار، فصار للشيطان مجال زرع الفتنة.
بأبي ظبيٍ ظلامٌ
حالِكٌ أطفا الدراري
عُصبة الحق نجومٌ
حُجِبَتْ بَدءَ مَساري
نكبةٌ كُبرى تجافتْ
عن موازينِ الحِذارِ
أي أن هذه النكبة حدثت بعد تعطيل التحاكم إلى موازين عقلانية متوارثة في الحذر الأمني صارت مع الأيام هي العُرف الإماراتي، وعنوانها الثقة والتناصح بين الحاكم والمحكوم، فدخلت على الخط موازين غريبة مريبة مستوردة من دار المخابرات المصرية خلطت الأمور وأقلقت الجميع، والحل: العودة إلى عُرف الصحراء وحضارة الصحراء، وليس حضارة خوفو وفرعون وهامان.
عَصَفَتْ فَجئًا فألغت
عُرف زيدٍ في الذِّمارِ
وزيد: هو الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله، وكان له عُرف ورثه عن آبائه وأجداده، يأخذ بالأحسن، ويتعوذ من الشيطان، ويطلب من الشبهة الدليل والبرهان ، ثم فجأة ترك الخَلَفُ عُرفَ السلف، وآمن بالتوتير.
والذَّمارة: بفتح الذال المشددة: الشجاعة، والذِّمارة: بكسرها: ما يلزمك حفظه وحمايتُه. كذا في القاموس المحيط /596، واشتهر تعبير: حامي الذمار.
بمعنى أنه كانت هناك أعراف عند زايد، مستلةٌ من شجاعته، أو من تجاربه في حفظ الأمن وحماية الوطن، ثم خالفها الابن وأخذ بتجارب دحلان ، الذي لا يحرص على مصالح آل نهيان.
قادَها شيخٌ عجولٌ
باعَ أمناً بضِرارِ
كانت الأنحاءُ هَدْأى
تَمخُرُ البَحر الصواري
كانت الأنحاءُ هَدْأى
تَمخُرُ البَحر الصواري
زُحَلٌ والأرضُ والمرّيخُ والسبعُ الجواري
في سكونٍ رائحاتٍ
في مدارٍ وقرارِ
فأثارَ الكُلَّ شيخٌ
ما لَهُ حُسنُ قَرارِ
وهذا على سبيل الحقيقة لا المجاز، فإنّ لله تعالى ملائكة في الأرض والمريخ وزحل وكل الكواكب شُغلها التسبيح، فاضطربت قلوبها لوقوع الظلم الصارخ على طائفة من المؤمنين في الإمارات.
فاّدْلَهمّتْ واستَحّرتْ
واستغلّ الخَطْءَ جاري
صارت الدنيا مدلهمة غبراء داكنة، بسبب محنة المؤمنين في الصحراء، فاستثمر الوضع جاري الشعوبي الفارسي أحمدي نجاد، وصار خطأ الشيخ سلاحاً في يد الكسروية الجديدة.!
لم يُبال الشيخُ حالاً
قَلِقاً سادَ الصحاري
جمع صحراء صحارى بألف مقصورة، وصحاري بياء. كذا في القاموس.
زَمَنٌ فيه ارتجاجٌ
فيه رَفضٌ في خِمارِ
أي هذا الزمن فيه ارتجاج بسبب الحساسية التي أوجدها تبدل الأوضاع في اليمن ومصر وبلاد أخرى، وأكبر من ذلك: الرافضية البدعية التي هي محور سياسات إيران والحوثي والجفري وحزب الله والنصيرية السورية وحقيقة عقائد فيلق بدر وجيش المهدي في العراق، لكن هذه الرافضية الطائفية تتخفى من خلال لبس خمار يزعم التقارب، وكان المفروض أن يقدّر الشيخ محمد كل مصادر القلق هذه، المحيطة بالإمارات، قبل أن يأمر بسجن أحرار الإمارات، وأن يستعين بهم بدل ضربهم، ولكنه استعجل ووقع في مصيدة أذكياء يريدون سحب الرئاسة من آل نهيان، وعلى نفسها جَنَت براقِش.
أيها الموتورُ كلاّ
إفْهَمَنْ سَوسَ الديارِ
أنت قد صفَّدتَ قوماً
عسجَدٌ عند الخِبارِ
العسجدُ هو الذهب ، والخِـبار: الاختبار والفحص، فلو أنك كنت فاهماً حقاً للسياسة وقواعدها لفحصت هؤلاء ومرادهم من خلال الحوار المباشر، بحيث تستدعيهم إلى بلاطك وتفتح حديثاً صريحاً معهم، لتكتشف أصل مرادهم وفكرهم، ولكنك سارعت إلى قبول كلام الواشي فدخلت المتاهة.
كُلُّهم تَلفى إماماً
هو نَسلٌ من خِيار
هو في الدين فقيهٌ
مُفتـيَ العُضْلِ الكِبارِ
هو في الدنيا خبيرٌ
هو بانِ في اقتدارِ
تلفى أي تجده.
فهؤلاء الذين سجنتهم ليسوا عامة، ولا من الهامش، بل هم خيار من خيارٍ من خيارٍ، وهم أئمة في الدين يدعون إلى الله، ولهم مهارة في الاجتهاد الشرعي جعلت الواحد منهم من الفقهاء اللائقين للإفتاء في المعضلات والقضايا المهمة، وقد أضافوا إلى ذلك خبرة في الدنيا والتنمية والاقتصاد والمعارف، فصاروا من البُناة المنتجين ورجال الدولة، وقد صقلتْ أرواحهم وعقولهم معركة مرحلة التحدي والتأسيس الناجح لدولة الإمارات، وكانوا الجزء الذي لا يتجزأ من المسيرة الموفقة، فمنهم من بَذل في مجال التعليم، ومنهم من بذل في مجال القضاء، والإدارة، والعمل المؤسسي، والتطوير الاجتماعي، والإنضاج الفكري والتربية الإبداعية، وكان من سوء حظ مستقبل الإمارات أن لا تستمر الاستفادة من مواهبهم وخبراتهم وعقولهم، بل وقبل ذلك: من صفاء نواياهم وإخلاصهم، فوا أسفاه أن تطرأ رجعيةٌ على التقدم الواثق الناجح، ووأسفاه أن يرتقي النكرات وتوسّد لهم الوسائد، بينما يُلقى الأحرار البناة في السجون. هذا زمن العجائب.
قُمْ فأطلِق قيدَهم
نحن وَقارٌ في وقار
قُم ففَرِّج كربهم، دَعْ
سُفُني تَمْخُرْ بِحاري
والنداء موجه إلى الشيخ محمد بن زايد، أن يسارع إلى تسوية المشكلة، فنحن الذين وهبنا الله الاحترام، والناس معنا، ولنا سفائن ومؤسسات كالأعلام، فدعها يا محمد تمخر بحاري والمحيطات لترفع اسم الإمارات.
فهل أنت فاعلٌ يا محمد، أم هو قَدَر مكتوب من الله على الإمارات أن يتمادى التعسف ليحلَّ غضبٌ رباني، والعياذ بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله
26/10/2012
(كُتب المقال أثناء العيد وتأخر الطبع لوعكة مرضية).
لتحميل نسخة الكترونية للبيان نرجوا التحميل من الرابط:
http://www2.zshare.ma/quqgxa8xy9w0