يعترف كثير من المراقبين أن بعض البلدان الخليجية تمكنت من امتصاص حالة الهلع والصدمة التي انتابتها جراء الثورات العربية بشكل ملفت وبما لم يتوقعه أحد، حيث احتضنت كبار المسؤولين الأمنيين الهاربين من موجة الثورات وتعاقدت مع بعضهم وزارة الداخلية وجهاز المباحث في كل من السعودية والإمارات تحصينا لقلاعها "المنيعة" والاستفادة من خبراتهم الدموية وسجلهم الإجرامي في إدارة ملف المعتقلين السياسيين وقمع موجات الغضب والاحتجاجات.
وقد سبق لوزارة الداخلية السعودية أن استفادت من خدمات "زكى بدر" في قمع التوجهات الإصلاحية في المملكة حين كان مستشارا لدى وزير الداخلي السعودي السابق، ولم يكن "زكي بدر" خبيرا أمنيا فقط، حيث عبنه المخلوع مبارك وزيرا للداخلية في الثمانينيات، ولكنه كان أيضا (وهذا الأهم) سفاحا دمويا موغلا في الإجرام معاديا للإسلاميين ولكل معارض حر أصيل.
ولكن ما يميز الاستفادة الحالية هو تدفق الخبرات الأمنية الدموية من بلاد الثورات على السعودية والإمارات لما لم يسبق له مثيل، فتم تعيين اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية الأسبق وآخر نائب للرئيس المصري السابق المخلوع محمد حسنى مبارك مستشارا أمنيا لولي العهد السعودي السابق، وأُرسلت له طائرة خاصة إلى مطار القاهرة لنقله إكراما لرصيده وتقديرا لمهماته الإستخبارية الخاصة، وليس عمر سليمان فقط، بل والعديد من "رجاله" في المخابرات العامة المصرية الذين انتهى دورهم بعد ثورة 25 يناير، واستعانت به أيضا الإمارات في ذروة تصعيدها وحملة اعتقالاتها التعسفية للناشطين الإصلاحيين والحقوقيين، وقد استفادت قبله من دهاء ومكر وخبث وأحقاد وعمالة العقيد محمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي سابقا في غزة.
وما يحسب للمستشارين الأمنيين المصريين طول خبرتهم في القمع والتعذيب والتحقيقات والاستنطاقات وتصفية الخصوم والمعارضين ووأد الاحتجاجات.
وما غاب عن الكثيرين، أن بعض زبانية وجلادي النظام "البوليسي" السابق للرئيس التونسي السابق الهارب زين العابدين بن علي، كثر عليهم الطلب من السعودية، وجيء بهم بعد أن استضافت المملكة حاكمهم وولي أمرهم، وأكثرهم متخصص في عمليات الاستنطاق والتحقيقات البوليسية والتدريب على نزع الاعترافات وأساليب التعذيب والقهر الجسدي والنفسي، وكانت تونس لسنوات مقرا لاجتماعات وزراء الداخلية العرب بقيادة وزير الداخلية السابق الأمير نايف بن عبد العزيز.
ونجد من غير العرب، خدمات ضباط الأمن الباكستانيين، وهم من أقدم المتعاونين الأمنيين في السعودية والإمارات، ويكلفون بمهام ترتبط غالبا بطمس الشهادات والسكوت عن الجرائم.
فبعد أن تجاوزت مرحلة الارتباك والهلع وأمنت بلادها من "عدوى" الثورات، انتقلت إلى موقف هجومي تصعيدي، ولم تتوقف عند منع تصدير الثورات، بل بادرت باستيراد ما تخلصت منه الثورات أو تعمل على التخلص من آثاره وتبعاته.
ويرى مراقبون أن ما أقدم عليه الماسكون بالقرار الأمني في كل من السعودية والإمارات بدعوى التحصين والحماية من موجات المد الثوري العربي لن يحقق لهم ما أرادوا بل بالعكس قد يزيد من حالة الاحتقان والغضب والسخط، فهؤلاء دورهم ليس استشاريا بالمعنى المتعارف عليه وإنما هم مفجرو الغضب والثورات في أوطانهم وينقلون المهمة "الاستثنائية" نفسها إلى من احتضنهم ن بلدان الخليج.
المصدر خدمة العصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق