الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

رسالة إلى الضمير قبل أن يخطَّ القلم أو ينطق اللسان


اعداد / صفحة معتقلي الامارات 

إذا كان للكلمة خطورتها وأمانتها أيًّا كان ناطقها أو كاتبها، وإذا كانت الكلمة مؤاخذًا بها كل أحد بل موكول بها ملكان يحصيان على كل ما يخرج من فمه (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)) (ق)، فإن كلمة الاعلامي والقاضي والحاكم  ليست ككل كلام، فهي قد تساوي حياةً أو موتًا، عزًّا أو ذلاًّ، جنةً أو نارًا، رضًى أو سخطًا؛ إذ هي حكمٌ يرتبط به أعظم ما قامت عليه السماوات والأرض "الحق" (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ) (الحجر: من الآية 85)، كما يرتبط به أعظم ما أمر الله به في كتابه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ....) (النحل: من الآية 90).

والحق والعدل هما أساس العمران والتنمية والتقدم والعكس بالعكس؛ فالظلم ظلمات والظلم خراب ودمار، فأي الكلمتين كلمتك؟ كلمة تُحيي وتُربي وتُعمر أم كلمة تقتل ماديًّا أو معنويًّا وتخرب على الناس حياتهم وتظلمهم .

أيها الضمير الذي أنيط به أن يقف هذا الموقف الرهيب من المسئولية والأمانة التي تنوء بها الجبال: حرِيٌّ بك، بل واجب عليك قبل أن يخط قلمك أو ينطق لسانك أن تقف وقفةً تنفض فيها عنك كل غفلة، وتحرِّر فيها حكمك من كل يدٍ إلا قيدًا واحدًا، أسوقه لك على لسان القائل: "رحم الله امرءًا وقف عند همه، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغير الله توقف.."، فليكن قرارُك ولتكن كلمتك لله لنّيل رضا الله وليس غيره، وذكِّر نفسك بقول الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة      وليتك ترضى والأنام غضاب
إذا صحَّ منك الود فالكل هيِّن   وكل ما فوق التراب تراب

وإذا ما وجدت بعض التردُّد أمام رهبة السيف، أو رغبة الذهب، وأنت محض بشر، فتذكَّر رهبة الموقف حين ينادَى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لا يَتَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)) (الصافات)..

تذكَّر لوعة الحسرة حينما يتبرأ الجميع من الجميع.. (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ (166)) (البقرة)، قال ابن كثير: "أي عاينوا العذاب وتقطَّعت بهم الحِيَل وأسباب الخلاص، وقال ابن عباس أسباب المودة، وتذكر أيضًا لمعة سيقان أشجار الجنة وقصور الجنة التي هي من قصب؛ أي ذهب لا تعب فيها ولا نصب.

تذكَّر أيها الضمير..
أن المصير مرهون بكلمة ستخرج على لسانك أو سيجري بها قلمك؛ فإما رضوان الله والجنة وإما سخط الله والنار.. "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه" (موطأ الإمام مالك 1562).

فأي كلمة من رضوان الله أرضى من كلمة تقرّ العدل وترفع الظلم، وتشيع البهجة وتذهب الوحشة، وترد إلى الناس حقوقهم، وتكشف عنهم كروبهم، أيّ كلمة أرضى لله من كلمة تنصر المظلوم فتأخذ له حقه وتنصر الظالم بكفه عن ظلمه.

وأي كلمة من سخط الله أسخط من كلمة تُقرُّ الظلم وتنفي العدل، تُعين على أكل أموال الناس بالباطل وتروِّع الأهل، وتُدخِل على البيوت الحزن. فانظر أيها الضمير أيَّ الكلمتين كلمتك: كلمة الرضوان أم كلمة السخط؟!

تذكَّر أيها الضمير قول حبيبك ونذيرك أيضًا: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار وقاضٍ لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاضٍ قضى بالحق فذلك في الجنة".. فأي الثلاثة تريد أن تكون؟ فو الله ما نرضى لك إلا أن تكون الثالث ونرجو الله أن نكون حينها معك..

أيها الضمير الذي نحسب أنه حيٌّ:
انظر في صفات هذه الوجوه المشرقة بنور الإيمان، وقلِّب في صفحات سيرتهم ومسيرتهم المشرَّفة بعطاء لا يشوبه منٌّ، وحبٍّ للوطن لا يحدُّه حدٌّ، وانظر إلى من يتهمهم بما أنت أعلم بتهافته منهم، انظر وقلِّب، وقِف عند همِّك قبل أن يخطَّ قلمك أو ينطق لسانك، ولا تسمع إلا صوت الحق بجلاله وكماله يناديك (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء: من الآية 59).

وقفة مع الظالمين والمظلومين.. أبدأ بكم أولاً أيها الظالمون، أطوف بكم طوافًا سريعًا بمطلع سورة الأنبياء، وأختم معكم بخاتمتها؛ فمطلعها يطرق بابكم طرقًا شديدًا (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)) (الأنبياء)، وهو إنذارٌ يردُّ القلوب إلى اليقظة، ويعذر إليها قبل فوات الأوان فقد اقترب اقترب الحساب، ووالله إننا لعلى الأعتاب "الموت أقرب لأحدكم من شراك نعليه"، فهل أنت جاهز؟!

ثم أختم معكم بخاتمتها (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنْ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)) (الأنبياء).

فالأمر كله مكشوف له سبحانه، وما يبيت أو يحاك هو مطَّلع عليه سبحانه، فلا يغرنكم ستر الله لكم، أو حلمه عليكم، فلعله متاع إلى حين، ثم تكون أخذة العزيز المقتدر، فلا فوت ولا هرب.. فهل من وقفة قبل الأوان أم طغى على القلوب الران؟!

أما أنتم أيها المظلومون الشرفاء فأختم معكم بما ختم الله به سورة "الأنبياء" وأنتم على أثرهم، وقدوتكم أعظمهم صلى الله عليه وسلم، نحسبكم كذلك ولا نزكي على الله أحدًا، وأقول لكم: رطِّبوا ألسنتَكم وطمئنوا قلوبكم، وتوجَّهوا إلى الله بما توجَّه به نبيُّكم إلى ربه (قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)) (الأنبياء)، فهي رحمة الله العامة الكبيرة التي يغمركم بها الله، والمدد المديد الذي يمدُّكم به الله حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق