بعد كتابتي مقال " انتهاكات الأمن ليست موضوعا للتصويت " بفترة وجيزة خرج علي سالم معلنا إنشاء "مركز "آراء ، والذي وصفته في تغريدة لي بأنه " نكتة سخيفة " وهي كذلك ، فهي تبين مدى عمق جهل صاحبها كما سيأتي تفصيله بعد حديث موجز عن الإعلام الجديد
بظهور الإعلام الجديد تراجعت شعبية جميع أجهزة القمع ، وذلك لأن الإعلام الجديد فسح المجال للأقلام التي لم يكن الإعلام التقليدي يسمح لها بالظهور وصارت تحظى بمتابعة عالية جدا وانتشار هائل .. على الجانب الآخر قررت بعض أجهزة الأمن خوض مجال الإعلام الجديد متسترة خلف أسماء حقيقة أو وهمية ، لا يهمني بشكل رئيسي إن كانت هذه الأسماء مدفوعة أو موظفة من جهاز الأمن بشكل مباشر ، ولكن جهاز الأمن على كل حال لا يستطيع أن ينكر أنها تعبر عن وجهة نظرة .
خوض جهاز الأمن لمجال الإعلام الجديد على عكس ما قد يظنه البعض ساهم في تراجع شعبيته ، وبدون أن نذكر أسماء فإننا نعرف شخصيات كانت مضرب المثل لدينا لما خاضت مجال الإعلام تراجعت شعبيتها بشكل كبير . ولكن الذي زاد وبصورة مطردة هو نبرة التطبيل العالي ، وما يجب أن ندركه أن ارتفاع صوت الطبل لا يعني ازدياد شعبية جهاز الأمن بقدر ما هو ارتفاع لصوته .. من باب الإنصاف لابد أن نقول أيضا أن الإعلام التقليدي لم يكن يستوعب هذا التطبيل الفج الذي نراه في الإعلام الجديد .. ذلك لأن للجهات الرسمية وجهات نظر لا تريد التعبير عنها بشكل مباشر لاعتبارات متعددة ، ولذا فهي تدفع شخصا ليمثلها تارة ، ومرة أخرى تنشأ جريدة مثل جريدة ميدل إيست وهكذا ، من هذا المنطلق فإن ردي على شخصية مثل علي سالم لا يعني أني أتقصد علي سالم لشخصه الذي لا أعرفه ، ولكني أتقصد وجهة النظر الذي يمثلها هو وقاعدة عريضة من متابعيه ومؤيديه .
وحين أوجه حديثي لمؤيدي علي سالم ومؤيدي الانتهاكات القانونية لأسباب مختلفة فإني أوجه لهم خطاب أخ محب لهم ، أوجه لهم خطاب مواطن حريص على بلده لمواطنين حريصين على بلدهم ، إذا أحبوا أن يعتبروها رسالة توعية فهي كذلك ، وإذا أرادوا اعتبارها موضوع نقاش وحوار فمرحبا بمحاور خلوق ، وإن أرادوا يعتبروني ضللت عن طريق الحق فأهلا بناصح مشفق ، ولكني أطلب منهم ألا يعتبروها رسالة كراهية ولا عداوة فهي بإذن الله ليست كذلك وإن انتقادي لجهاز الأمن هي جزء من حقي الدستوري الذي كفل لي حرية التعبير ، كما أن هناك من ينتقد أداء الشرطة مثلا .. وانتقادي لجهاز الأمن قبل أن يكون ممارسة لحق مشروع فهي حرصا على موطني لتسود فيه العدالة والحرية بكل معانيها وقيمها.
و رسالة أوجهها لجهاز الأمن ، فليدرك أن معركة الإعلام الجديد ليست في صالحه، وأن ستارها سيسدل عن تراجع ما تبقى له من شعبية ، بل والأسوأ من هذا – بالنسبة له طبعا – هو تراجع الخوف من معارضته ، فليستبدل جهاز الأمن هذه المحاولات بخضوعه التام للقانون واحترامه للحريات.
أما مركز آراء الذي أنشأءه على سالم ، فهو امتداد لمسميات عدة مثل "خدمة إماراتي وافتخر " و " مرصد دعوة الإصلاح " وهي كلها تذكرني بقول الشاعر :
أسماء مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
أما "مركز" آراء فقد قدم له علي سالم بمقدمة يصف فيها حال العريضة التي طالبت بوقف انتهاكات حقوق الإنسان ، فيقول أن العريضة لا تفسح المجال للرأي الآخر ، وهذا يبين خلطه بين الاستفتاء الذي تقاس فيه الآراء المختلفة وبين العريضة التي يوقع عليها أشخاص التماسا لطلب معين . هل سمعتم مثلا مثلا بأهل حي يقدمون طلبا بإنشاء محلات تجارية مثلا ثم يأتي المسؤول ويقول أنكم لم تفسحوا المجال للرأي الآخر في طلبكم ! .. وبعد أن خلط علي سالم بين مفهومين مختلفين هما الاستفتاء والعريضة أراد أن يقدم لنا "ديموقراطيته" وأنه أنشأ مركزا لرصد الآراء على تويتر وأن هذا المركز يفسح المجال للرأي والرأي الآخر ! وليبرهن على "ديموقراطيته " قال أن الذي يصوت بأي رأي كان فهو يعبر عن رأيه وليس لوطنيته علاقة برأيه في الاستفتاء .
هذا "المركز" على قصر اسمه وقصر فترة إنشاءه وقلة تغريداته إلا أنه يحوي مغالطات وجهالات كثيرة ، أسردها فيما يلي :
أولا: أن منشئ المركز هو علي سالم ، وانحيازاته معروفة واضحة ، ولذا فإن الحياد في أسئلة الإستفتاءات ممتنعة دون وجود معايير تضبط عملية وضع الاستفتاء والأسئلة .. وهذه المعايير ليست خاصة بعلي سالم ، بل هي تشمل كل من أراد خوض مجال قياس الرأي ، والكلام ينطبق علي أو على عضو من جمعية الإصلاح أو جريدة .. إلخ . ومع ذلك لا توجد معايير واضحة لدى مركز آراء والانحياز في الأسئلة واضح جلي كما سيأتي توضيحه.
ثانيا : أن "المركز" أنشئ لقياس الرأي على تويتر ، وعليه إذا أن يقيس اتجاهات الرأي في تويتر ، أما ما قام به هذا المركز فلا علاقة له بموقع تويتر سوى أنه واسطة ، وما قام به هو قياس للرأي على موقع twtpoll.com وليس تويتر ، ولذا فإن النتيجة الموجودة على الموقع لا تعكس بالضرورة اتجاهات الرأي في تويتر لاعتبارات كثيرة : أولها أنه الموقع ليس جزءا من تويتر ولا توجد فيه وسيلة ربط بتويتر 2 يمكن دخوله مباشرة دون استخدام تويتر 3 العينة التي يصل إليها الاستفتاء لا تتصف بالعشوائية وإنما تصل لشريحة متابعي منشئ الاستفتاء بشكل أساسي .
ثالثا : أن التصويت حول التنظيم النسائي أنشئ وأريد له نتيجة محسومة كما هو واضح ، وموقع twtpoll لا يحتوي أي معايير تضمن نزاهة الاستفتاء لضمان عدم وجود أي تلاعب، فلا يحتوي أي أداة لربط المصوت بحسابه على تويتر ، بل وبالإمكان لنفس الشخص التصويت عشرات المرات باستخدام تقنية بسيطة ، بل بالإمكان التصويت بشكل آلي .. ولقد كان بإمكان أي مستخدم يمتلك خبرة بسيطة في مجال التقنيات أن يقلب نتيجة التصويت أو على الأقل يجعلها متقاربة باستخدام تقنيات بسيطة لا يجهلها أكثر مستخدمي الإنترنت.
رابعا : أن سؤال التصويت التالي الذي استفتي عليه سؤال لا يتسع للرأي والرأي الآخر كما يدعي صاحب الاستفتاء بل هو يوجه المستفتي لاختيار واحد : "هل تؤيد تحرك الجهات المختصة ضد التنظيم النسائي للاخوان المسلمين الذي يسيئ لسمعة الدولة" .. فهذا السؤال أولا يثبت التهمة على مجموعة من أهالي المعتقلين بأنهم قد أنشأءوا تنظيما ، ومن ثم يثبت عليهم تهمة الإساءة لسمعة الدولة ، فلا توجد أي رائحة للحياد في هذا السؤال بل هو سؤال يساوي أن يقول قائل " هل تؤيد أن تتحرك الشرطة لتقبض على المجرم ؟ " .. ومع هذا فإن السؤال مرة أخرى يوضح جهالة صاحب الاستفتاء ، يقال في الشرع لا استخارة في واجب أو محرم .. وكذلك فإن الاستفتاءات لا تنشئ للسؤال عن تطبيق جهة تنفيذية قوانين مشرعة ونافذة ، فلا يوجد استفتاء مثل" هل تؤيد أن تتحرك الشرطة للقبض على المجرم س ؟ " .. فالجهات التنفيذية ملزمة قانونا أصلا بتطبيق القوانين والتشريعات ، إنما تصح الاستفتاءات في أصل القوانين وهل هي محل رضا الشعب أم لا . ، أما سؤال علي سالم فهو يقول أن هناك جريمة ثابتة ، وإذا كان كذلك فليس للجهة الرسمية أن تستفتي في تطبيق قانون نافذ .. أما وقد سأل فهو يدرك أنه لا توجد جريمة حقيقية ولذا
فهو يريد غطاء لجريمته هو في الاعتداء على الأعراض .
فهو يريد غطاء لجريمته هو في الاعتداء على الأعراض .
خامسا : الصورة التي نشرها المركز كنتيجة للاستفتاء تبين بشكل واضح أن المركز غير محايد حتى في عرض النتائج ، فقد عرض في الصورة نتيجة التصويت من قطر بشكل مخصوص وبلون أحمر وهو أن جميع أصوات قطر لا تؤيد التحرك ، مع أن هناك دول أخرى جاءت جميع أصواتها ضد التحرك فلماذا خصت قطر ؟ إنه سؤال متعلق بمدى بانحيازات المركز .
سادسا : رغم زعم علي سالم إفساح المجال للآراء المتعددة إلا أن استفتاءه ما زال في نطاق خندقة الناس في خندق الوطنية واللاوطنية .. فسؤال حول التحرك ضد "التنظيم النسائي " ليس موجها لمن لا ينكر وجود التنظيم النسائي ، فهو خارج حسبة الإستفتاء أصلا .. والإستفتاء موجه فقط لمن يثبت التهمة على أهالي المعتقلين .
بعد أن عرضت مغالطات "مركز" آراء واستفتاءه ، لابد أن أشيد بفكرة علي سالم وهي أهمية قياس الرأي على تويتر ، وهي قضية كنت أفكر وأبحث فيها من زمن وهي فعلا بالغة الأهمية كونها من المؤشرات عالية المصداقية لتوجهات الناس وآراءها ، ولهذا أحب أن أتحدث بشكل مبسط عن قياس الرأي على تويتر مع اني غير متخصص ولكني أرى أن على مركز آراء أن يطور نفسه.
قياس الرأي على تويتر وغيره يمكن تقسميه إلى طريقتين : طريقة مباشرة كالسؤال المباشر والاستفتاءات ( بشرط أن تكون داخل تويتر أو بمواقع مربوطة بتويتر ) وهي طريقة أقل مصداقية بسبب ضيق دائرة المشاركين فيها ( مثلا استفتاء مركز آراء شارك فيه أقل من 3000 شخص ) ، وهو كذلك أقل مصداقية لمسائل تتعلق بالعينة المشاركة في التصويت .
الطريقة الثانية والأعلى مصداقية لقياس الرأي على تويتر هو القياس غير المباشر وذلك عن طريقة متابعة الأوسمة (الهاشتاقات) المتعلقة بقضية معينة ، و إعادات التغريد ( ريتويت ) ، وبمتابعة أشخاص معينيين لهم توجه معين في القضية وهكذا .. وسبب ارتفاع مصداقية هذه الطريقة عن الطريقة المباشرة هي اتساع دائرة المشاركين فيها ( مئات الآلاف والملايين أحيانا) وبذلك تضمن عينة متنوعة ، وقلة احتمالية التلاعب ( من الصعب التلاعب بمئات الآف ) .. وعلى كل فإن لكل من الطريقتين ميزات وعيوب ..
وبمناسبة طرح طريقة قياس الرأي غير المباشر على تويتر فإني قمت ببحث جمعت خلاله معلومات حول قضية معتقلي الإمارات ، وذلك باستخدام أدوات أتحفظ عن ذكرها حاليا لغرض في نفسي .. وسأعرض بعض النتائج المتعلقة بما يسميه علي سالم ومؤيدوه ( التنظيم النسائي ) .. كما يعلم متابعوا تويتر وقضية معتقلي الإمارات أنه أنشئ وسمان أساسيان متعلقان بما أسماه علي سالم التنظيم النسائي ، الوسم الأول هو #التنظيم_النسائي وهو يمثل وجهة نظر الأمن ، والوسم الثاني #إلا_حرائر_الإمارات وكان يمثل ردة فعل على اتهام استفاء مركز آراء الموجه .
وعلى مدى خمسة أيام وحدود 1500 تغريدة لكل وسم كانت النتائج التالية
#التنظيم النسائي : وصل هذا الوسم إلى حوالي 135 ألف مشترك على تويتر ، وطبعت التغريدات في حسابات المشتركين ( التايم لاين ) حوالي 389 ألف مرة
#إلا_حرائر_الإمارات : وصل هذا الوسم إلى حوالي 236 ألف مشترك وطبعت التغريدات في حسابات المشتركين (التايم لاين ) حوالي 1.25 مليون مرة
هذا جزء بسيط مما جمعته من معلومات حول قضية معتقلي الإمارات عموما ، وقد أنشر جزءا آخر متى ما اقتضى الحال . أما النتيجة التي ذكرتها للوسمين فهي بين يديكم لقراءتها واستنتاج دلالاتها . أما عني فإني لن أعلق عليها وأترك التعليق لكم.
أنوه هنا أن ما قمت به هو جهد شخصي بسيط جدا ، فكيف لا يقوم " مركز" بجهد احترافي محترم . ولكني استدرك وأقول إن المركز لا يريد أن يقوم بهذا الجهد لأن النتيجة لن تكون لصالحه دوما.. ولكن ما يجب أن تنتبهوا له هو أن الأجهزة الرسمية تمتلك أدوات عالية الدقة لقياس الرأي على تويتر تزودها بها شركات معروفة وعالمية ، ولذا فهي تعرف تأثير الإعلام الجديد أكثر مما تعرفون .. لهذا لا تستغربوا أبدا أن يعتقل مغرد أو يوقف أو يهدد لأنه غرد على تويتر بما لا يرضي جهاز الأمن .. ولا تستصغروا أن تكتبوا تغريدة تناصروا بها الحق وتقفوا إلى جانبه ، إن أصواتكم سيبلغ صداها أكثر مما تتوقعون .
اعتذر عن التطويل وقد كنت أود التعليق على مقال معالي أ. أنور قرقاش ، وتغريدات معالي الفريق ضاحي خلفان ، ولعل ذلك يكون موضوع مقال قادم .
إماراتي
المصدر:إماراتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق