الخميس، 27 سبتمبر 2012

عدم اليأس والقنوط والحزن والتجهم والتشاؤم


اليأسوالقنوط والحزن والتجهم والتشاؤم هذا طبع لبعض النفوس .. وصفات تميل لها بعض الطباع .. كشخص فاقد للأمل .. وقد لا يرى الخير وهو غارق فيه .. ولا يرى الأمل لائحًا .. وهو دائم الشكوى قليل الصبر سريع الجزع .. وهو يطبع من حوله بطابعه السيئ وطالعه النكد.
والمعايش لكتاب الله تعالى لا يجد أن هذه هي الشخصية ولا الحالة النفسية التي يريدها كتاب الله تعالى.
1- فانظر إلى قاعدة عامة ـ وإن كان وردت بخصوص مشكلات شخصية واجتماعية ـ لكنها وردت على وجه العموم والإطلاق: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾ [الطلاق: 7].
يعني: إذا سألت الآن وأنت في مأزق:
ماذا سيحدث؟ ستكون الإجابة الربانية هذه الآية: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾.
وإذا سألت ماذا أنتظر؟ ستكون الإجابة: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾.
ما هي المرحلة القادمة؟ ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾ .. هكذا بإطلاق ..
سواء أمر مادي ـ كما هو سبب نزول الآية وسياقها ـ أو نفسي ..
ومن تعامل مع ربه هكذا ورجا فيه هذا لا يخيب ربه ظنه أبدًا فهو عند ظن عبده به .. مع أن شأنه تعالى التيسير والتفريج والتنفيث وأن ما يصيبك إما عقوبة لذنب لتطهيرك، مع العفو عن الكثير وإنما تجازى بالأقل، أو رفعًا لدرجات لا تبلغها أعمالك.
راجع كلام ابن القيم في "زاد الميعاد" وتعليقه على مصاب الصحابة في غزوة أُحُد، وكلام شيخ الإسلام على ما قدر من مقتل الحسن والحسين رضي الله عنهما وهما سيدا شباب أهل الجنة، وهى درجة عالية وقد ولدا في عز الإسلام فلم يُبتلوا مع أصحاب رسول الله فى مواجهتهم مع المشركين فقُدّر لهما من المصائب ما يصلان به إلى هذا المقام الرفيع .. رضي الله عنهما وأرضاهما وجمعنا بهم في مستقر رحمته.
2- وانظر إلى هذه الآية: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾ [الشرح: 5 - 6]، فهو عسر مُعرَف .. محفوف بيسرين. فالعسر مكرر والألف واللام الثانية راجعة إلى الألف واللام الأولى (لام العهد) .. وأما اليسر فمنكّر للتعظيم وللتنويع فهو كثير وغير محدد .. هكذا جاءت الآيتان أيضًا كقاعدة وليس أمرًا مؤقتًا ولا خاصًا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (لن يغلب عسر يسرين) من أجل هذا .
3- وانظر إلى الآية التي أوردناها سلفًا: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ﴾[الأنعام: 17].
فعند الضر ذكر تعالى لنا كشفه يعني: أنه مؤقت ويُنتظر كشفه ﴿ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ﴾, ويُتعبد لله بطلب كشفه وفي هذا جاء: «إن الله يحب عبده الذي يحب الفرج»، «أفضل العبادة انتظار الفرج»..
وأما عند الخير فذكر لنا تعالى وجه استقراره بجملة اسمية فيها عموم قدرته ودوامها: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ﴾.
4- وانظر كذلك إلى قوله: ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾ [الطلاق: 3]، فالأمور كلها لها تقدير إلهي .. من ناحية الكتابة والقضاء، ولها قدْر معين في زمانها ورفعها .. وفي هذا جاء: ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾[الرحمن: 29], قال السلف: يفرج كربًا وينفث همًا ويغفر ذنبًا.
«عن مجاهد عن عبيد بن عمير ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾, قال: من شأنه أن يجيب داعيًا أو يعطي سائلاً أو يفك عانيًا أو يشفي سقيمًا.. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كل يوم هو يجيب داعيًا ويكشف كربًا ويجيب مضطرًا ويغفر ذنبًا.. وقال قتادة: لا يستغني عنه أهل السموات والأرض يحيي حيًا ويميت ميتًا ويربي صغيرًا ويفك أسيرًا، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ومنتهى شكواهم»([1]).
5- وانظر إلى قوله تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2].
وانظر: ﴿ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾[يونس: 107].
قد يخوفك الشيطان أنه قد لا يدركك فضل الله تعالى لكن الله تعالى يقول لك شيئًا أعظم من هذا كله؛ يقول أن هذا الفضل سيلحقك ويدركك بل لن تستطيع لا أنت ولا غيرك رد فضل الله تعالى عليك أو على غيرك!! فسبحان أرحم الراحمين وله المحامد كلها.
6- وانظر إلى الأمل وسط الظلام:
﴿ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾[الشعراء: 61 - 68].
﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 128 - 129].
﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 249 - 252].
وهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم .. البشارة عند الضيق لعلمه أن مع العسر يسران كما قال، ولعلمه أن سيجعل الله بعد عسر يسرًا، ولعلمه أن الله قد جعل لكل شيء قدرًا، ولعلمه بصدق وعد الله تعالى .. وغير ذلك مما أوحى ربه إليه.
ولهذا لما جاءه خبر خيانة قريظة قال الله أكبر فتحت كذا وفتحت كذا، وحدَّث الصحابة عن مجال أكبر بكثير مما هم فيه الآن وعن أفق لم يفكروا فيه وهو كنوز كسرى وقيصر! وهذا مع الوحي تعبد لله تعالى: «قال ابن إسحاق: وحدثت عن سلمان الفارسي أنه قال: ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ صخرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني، فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان عليّ نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى قال: ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: «أوقد رأيت ذلك يا سلمان؟»، قال: قلت: نعم. قال: «أما الأولى فإن الله فتح عليّ باب اليمن وأما الثانية فإن الله فتح عليّ باب الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح عليّ بها المشرق».
قال البيهقي: وهذا الذي ذكره ابن إسحاق قد ذكره موسى ابن عقبة في مغازيه، وذكره أبو الأسود عن عروة في السيرة.
قال عمرو بن عوف: فكنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن وستة من الأنصار في أربعين ذراعًا فحفرنا حتى إذا بلغنا الندى ظهرت لنا صخرة بيضاء مروة، فكسرت حديدنا وشقت علينا، فذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية فأخبره عنها فجاء فأخذ المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها ـ يعني: المدينة ـ حتى كأنها مصباح في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبر المسلمون، ثم ضربها الثانية فكذلك ثم الثالثة فكذلك، وذكر ذلك سلمان والمسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه عن ذلك النور، فقال: «لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثانية أضاءت القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثالثة أضاءت قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا»، واستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعود صادق.
قال: ولما طلعت الأحزاب قال المؤمنون: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾، وقال المنافقون: يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا!. فنزل فيهم: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾([2]).
7- وانظر إلى رجل يقدم في دعائه أسباب ومقدمات تقطع بعكس ما يرجو، ثم يترك هذه المقدمات يأسًا منها وينطلق في رجائه في ربه مستدلاً بسابق عهده مع ربه أنه لم يَشْقَ بدعائه:
﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ﴾ [مريم: 1 - 6]، وقد حدث.
8- وانظر إلى شيخ كبير وزوجه عقيم فبشر بغلام وحفيد وكلاهما صالحان وأنبياء وأئمة هدى ..بل ومنهم ذرية عظيمة وأنبياء:
﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِك قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ [الذاريات: 28 - 30].
﴿ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ﴾ [هود: 71 - 73].
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾[الأنبياء: 72 - 73].
9- وانظر إلى من فقد ابنه .. وبعد زمن يفقد آخر .. وثالثًا يأبي الرجوع .. فكلما زاد البلاء زادت بشارته عكس ما يتوقعه الخلق ..
فعندمـا بـدأ البـلاء بقولهم: ﴿وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ*قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ*وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ [يوسف: 16 - 18]، كانت إجابتـه: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18]..
فلما زاد البلاء بهذه الرسالة: ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [يوسف: 80 - 82]، زادت عبادته وبشارته.
ففي يوسف قال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾[يوسف: 18].
وهاهنا زاد مع الصبر حسن الظن: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 83].
بل وعبودية ثالثة: طلب الرجاء والسعي في تحقيقه: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾[يوسف: 87].
10- واليائس من ذنبه جعل له نداء كل لحظة: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر: 53].
وجعل عنوانًا دائمًا بذكر صفات الله: ﴿ حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾[غافر: 1 - 3].
يقول البيضاوي: «وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها([3])».
ويد ربك مبسوطة لنا ليلاً لنتوب مما اجترحنا في نهارنا، ومبسوطة لنا نهارًا لنتوب من جراحات ليلنا .. والله يفرح بعبده التائب .. بل وينادي العاصي من قريب .. فالمعرض عن ربه، ربُه ينتظره ويدعوه .. فكيف بالمقبل عليه؟.
وخزائن ربنا لا تنفذ لا خزائن المال ولا العلم ولا العطاء من ولد ومن مسكن ومن زوجة ..
11- والله يحب البشارة وقدّرها لعباده: ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]، فهو يعلم تعالى شوق النفوس للبشرى وارتياحها لها([4]) فبشر عباده المؤمنين: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [الزمر: 17 - 18].
ثم شرعها لعباده وأمر نبيه بها: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54], ووعد الأجر العظيم على بشارة المؤمن وقد روى عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: «من فاجأ من أخيه المسلم فرحة غفر الله له». قال بن المبارك وهو يحاول إدخال الفرحة على أحد إخوانه بعدما ذكر الحديث: فأحببت أن أفاجئه فرحة على فرحة([5]).
وهكذا كان الصحابة فلما نزلت توبة الثلاثة الذين خلفوا تسابق الصحابة بين من صعد الجبل يبشر أخاه بأعلى صوته ومن انطلق على فرسه لبشرى أخيه، وهذه ليست من فراغ بل هي تربية محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث: «بشروا ولا تنفروا».
وقد أطلْتُ هنا لعموم الداء في أحداث الملمات بالمسلمين وقلة الناصر وكثرة العدو ونفاق الرفيق وانصراف الناس عن ما يصلحهم وكذلك الأحداث الغالبة.
ولهذا يشير شيخ الاسلام عند شرحه لحديث (بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) يقول أن الغربة لا تقتضى النواح والعويل بل تقتضى التمسك بالدين وأن هذا المتمسك بدينه بين المفرّطين سيكون أسعد من غيره لقوله فطوبى للغرباء يعنى فهم أسعد من غيرهم ..
فحتى فى هذا الحال تكون السعادة والتفاؤل والاستبشار بالخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق