قراءة وتحليل في بيان المصدر المسؤول في الامارات
د.عبدالله سعيد الحزين
24/9/2012
اطلعت الى بيان المصدر المطلع في الامارات حول الموقوفين على ذمة التحقيق في قضية "التنظيم السري" وبعد دراسة سريعة للبيان تبين ان الذين أعدوا البيان كانوا يرجون منه عدة اهداف ألخصه في النقاط التالية:
١. توضيح مسببات قيام اجهزة الأمن إلقاء القبض على الموقوفين المخالف لدستور الامارات.
٢. الدفاع المستميت عن قانونية الإجراءات التعسفية وأنها تمت وفق القوانين المحلية والدولية.
٣. الدفاع المستميت لإظهار ان معاملة الموقوفين تتم بصورة إنسانية ولائقة.
٤. توجيه الرأي العام من ان القضية جنائية وهي ليست قضية سياسية ، كما أنها ليست مرتبطة بحرية الرأي أو التعبير.
٥. إظهار لائحة اتهام خطيرة وغير مسبوقة لإثبات عظم الجرم وخطورة الموقوفين.
٦. توجيه الرأي العام الاماراتي والعالمي بان هذه الجماعة ليس لهم مطالبات بإصلاحات سياسية وإنما هي جماعة خارجة على القانون.
والان سأقوم بتحليل بعض جوانب بيان المصدر المطلع على النحو التالي:
اولاً: البيان صدر من مصدر مطلع دون ذكر اسم المصدر على غرار "التنظيم السري".
ثانياً: البيان أشار ان الموقوفون يعاملون معاملة إنسانية لائقة وفقاً للإجراءات المعمول بها محليا ودوليا.
وهذا منافيا للحقيقة فدخول المعتقلون الى المعتقلات من الأبواب الخلفية اكبر دليل على عدم نية الأمن معاملتهم معاملة إنسانية والتكتم عليهم بعيدا عن أهاليهم في اماكن سرية منذ فترة طويلة ، وعدم ظهورهم امام العلن والإعلام وجمعيات حقوق الانسان وعدم السماح للأهالي بزيارتهم وعدم السماح لمحاميهم لملاقاتهم والدفاع عنهم اكبر دليل على كذب هذا المصدر المطلع.
ثالثاً: نفى المصدر المطلع بشكل قاطع تعرض أي من المتهمين للتعذيب كما يشاع في مواقع التواصل الاجتماعي.
وهذا فيه كذب لأنه عندما جيء ببعض المعتقلون الى المحكمة من باب إضفاء المشروعية على ممارسات الأمن كان واضحا مما لا يقطع الشك باليقين تعرض الموقوفون المطالبون بالإصلاحات السياسية في الدولة بالتعذيب البدني والنفسي باستخدام اساليب غير إنسانية وغير شرعية وغير قانونية.
رابعا: وصف المصدر المطلع ان تلك الشائعات بأنها "افتراءات تهدف إلى تشويه سمعة الدولة والإساءة لسجلاتها في حقوق الإنسان".
ان الشائعات التي يعتبرها المصدر افتراءات فهي ليست شائعات وإنما حقيقية وسجل الامارات حافلة بانتهاك حقوق الانسان الاماراتي والأجنبي وبمعاونة ومساعدة امن الدول المساندة للأمن الاماراتي. والإمارات لا تحتاج من احد الى تشويه سمعتها فهي مشوهة منذ فترة طويلة وسجلات الامارات فيما يخص انتهاك حقوق الانسان واضحة وموثقة لدى جمعيات حقوق الانسان.
خامساً: وشدد المصدر على أن جميع الإجراءات التي اتخذت بحق المتهمين في جميع المراحل منذ إلقاء القبض عليهم ولحين تحويلهم للقضاء بعد اكتمال تحقيقات النيابة العامة هي إجراءات قانونية.
بل ان كل الإجراءات التي اتخذت مع الموقوفين منذ البداية كانت مخالفة لكل الأنظمة القضائية في العالم وحتى في نظام القضاء الاماراتي ويشمل ذلك طريقة القبض على الموقوفين بصورة يوحي بثبوت الاتهامات التي كانت تدور في مخيلة رجال الامن. كما وان اسلوب خطف الموقوفين بصورة مهينة في الشوارع والأسواق والمطارات يوحي ان فصول الجريمة واضحة وان الاتهامات معلومة كما ان الأحكام جاهزة للتنفيذ. كما ان التعدي على حرمة بيوت الامنين والتفتيش القسري لممتلكاتهم الخاصة بهذه الصورة دون مراعاة لحرمة البيوت التي حرم الله دخولها يترك أسئلة كثيرة حول الهدف من كل هذه الممارسات الأمنية."
سادساً: أفاد المصدر أن النيابة لم تحرمهم حق توكيل المحامين للدفاع عنهم، ولم تتدخل النيابة في اختيارات المتهمين لهؤلاء المحامين، كما لم تمنع أحداً من الدفاع عنهم.
وهذا كذب وافتراء حيث انه منذ البداية منع المحامين من الالتقاء بالموقوفين كما منع عدد من محامي دول مجلس التعاون الخليجي من دخول الامارات للدفاع عنهم، كما تم القبض على بعض محامي المعتقلين ليلاقوا مصير من يدافعون عنهم كون انهم ممن وقعوا على العريضة.
سابعا: وقال المصدر إن قضية «التنظيم المحظور» هي قضية جنائية فيها مخالفة واضحة وتعد صريح على المادة (180) من قانون العقوبات المعمول به في الإمارات والتي تحظر إنشاء التنظيمات السياسية والانخراط فيها،
ان الموقوفون والمطالبون بالإصلاحات السياسية وهم من مؤسسي جمعية الاصلاح وهي جمعية رسمية كانت مرخصة من قبل الدولة إلا ان الأمن استولى عليها عام ١٩٩٤. كما ان قيادات جمعية الاصلاح أعلنوها صراحة في عدة لقاءات في قناة الحوار وفي الاعلام المرئي والمقري انهم تأثروا بفكر الاخوان المسلمين وهذا ليس سرا ولم يحتاج الامن الاماراتي لكل هذه الممارسات التعسفية للوصول لهذه المعلومة والمعلوم ان جمعية الاصلاح الاجتماعي الثقافي ليست من التنظيمات السياسية وإنما جمعية اجتماعية ثقافية كانت تقوم على نشر الدعوة الاسلامية وإقامة برامج اجتماعية كالأعراس وبرامج ثقافية كالمحاضرات والمسابقات العلمية ورياضية.
ثامنا: شدد المصدر في اكثر من موضع من ان القضية ليست قضية سياسية، كما أنها ليست مرتبطة بحرية الرأي أو التعبير وأضاف أنه لا يمكن اعتبار أعضاء التنظيم دعاة دينيين، ولا أشخاصاً يدافعون عن قضايا سياسية أو يطالبون بإصلاحات سياسية.
أراد المصدر المطلع إثبات انه ليس هناك مطالبة بإصلاحات سياسية ، وهذا غير صحيح فالعريضة التي تم إرسالها الى رئيس دولة الامارات اكبر دليل على المطالبة بالإصلاح السياسي للدولة والتي وقع عليها ١٣٤ مواطنا من العلماء والقضاة والمستشارين وأساتذة الجامعات وبعض اعضاء المجلس الوطني السابقين ورؤساء الجمعيات الاهلية والعلمية والمهنية نساءً ورجالا واصطلاحيون ولبراليون ، الا انه تم تحوير القضية على ان الاخوان وراء المطالبة السياسية علما بان اغلبية الموقعين على العريضة ليسوا من الإخوان. كما ان البيان أشار انه لا يمكن اعتبار الموقوفين دعاة دينيين فهذا قمة التناقض فهل جماعة الاخوان مثلا شيوعيون ام بوذيون. كما أشار البيان ان ما يجري ليس مرتبط بحرية الرأي والتعبير علما بان أكثرية الموقوفين كان نتاج كتابتهم وآرائهم في الاصلاح السياسي في الدولة وانتقاد الظلم والكل يعلم ان الهدف من عدم اعتبار الموقوفون لهم مطالب سياسية يرجع الى وئد القضية في بدايتها والقضاء عليها بشكل تام ونهائي.
تاسعا: وضوح التناقض التام والواضح في البيان فمن ناحية يتم توجيه التهم الكبيرة والخطيرة على الموقوفين ومن ناحية اخرى يتم اظهارهم انها جماعة ليست سياسية كما أنها ليست مرتبطة بحرية الرأي أو التعبير كما لا يمكن اعتبار أعضاء التنظيم دعاة دينيين، ولا أشخاصاً يدافعون عن قضايا سياسية أو يطالبون بإصلاحات كما ان المنتمين عموما إلى التنظيم والمتعاطفين معهم يشكلون أقلية بسيطة مقارنة بعدد سكان الدولة ومواطنيها ، وهم لا يزيدون على بضع مئات. الا انه في المقابل يتم تلصيق اتهامات لا اول لها ولا آخر بالمؤامرة على نظام الحكم وتاسيس جناحا عسكريا لاسقاط نظام الحكم والتعاون مع الخارج والتعرض للقيادة السياسية في الدولة،
عاشرا: مجموعة التهم الخطيرة وغير المسبوقة والتي أشار المصدر أن النيابة العامة وجهت للموقوفين هي أربع تهم في حين أكد المصدر المسؤول في بيانه مجموعة اضافية من الاتهامات في سياق البيان ويبدوا انها نفس اتهامات الامن المصري للاخوان ايام البائد حسني مبارك المسجون مدى الحياة اسردها كما يلي:
١. إنشاء وإدارة تنظيم سري يمس الأمن.
٢. المساس بمبادئ قيام الدولة ، والارتباط بجهات خارجية.
٣. تلقي تعليمات وأموال منها.
٤. والتعرض للقيادة السياسية في الدولة.
٥. بناء محفظة استثمارية لدعم تنظيم غير مشروع،
٦. تأسيس تنظيماً سرياً يهدف للاستيلاء على السلطة.
٧. يريدون إقامة دولة دينية.
٨. تأسيسهم جناحاً عسكرياً منذ العام 1988.
٩. تدريب الناشئة على الاعمال العسكرية.
١٠. السعي لاستقطاب الضباط المقربين من أعضاء التنظيم.
١١. السعي لاستقطاب أقارب العسكريين.
١٢. استمالة الضباط المتقاعدين ومحاولة ضمهم.
١٣. إنشاء إطار تنظيمي سري تابع لـلتنظيم العالمي لـ"الإخوان المسلمين" يمتلك أموالا ويدير استثمارات، ويجمع تبرعات لصالحه.
احد عشر: من الواضح ان المصدر المسؤول الذي كتب البيان يستخدم مصطلحات الأمن المصري في اتهامه للإخوان كما كان يحصل في جمهورية مصر العربية إبّان نظام حسني مبارك القمعي الظالم مع تكرار بعض المصطلحات لرسوخ الفكرة والمعنى لدى الشارع الاماراتي وقبول الحجة لدى الدول الغربية ومنظمات وجمعيات حقوق الانسان بانتهاكاتهم، فمثلا تسمية القضية بقضية «التنظيم السري» وايضا قضية «التنظيم المحظور" هذا بالإضافة الى استخدام تنظيم "الجناح العسكري" وهنا العجب اذا كانت الدول الكبيرة من حيث العدة والعتاد والمساحة وعدد السكان كمصر وليبيا وسوريا لم يستطيعوا تكوين جناح عسكري فهل الإماراتيين يمكنهم ذلك خاصة وان الموقوفون ليس لهم خلفيات عسكرية. كما ان المصطلح المعروف في مصر وحتى مع حكم مرسي ويستخدمها الفلول في مصر يريدونها دولة دينية ولا اعلم بالمقصود، هل المقصود ان تكون الدولة على غرار دولة الخميني ام المقصود تضخيم القضية.
ثاني عشر: أشار المصدر المطلع انّ القضاء هو الحكم في القضية، وهو وحده الذي سيوجه الإدانة لمن تثبت عليه التهم، وسيخلي سبيل من تثبت براءته.
انه من المعلوم ان القضاء الاماراتي غير عادل وغير منصف وموجه ويتحكم به الأمن ولا يعوّل عليه كثيرا خصوصا وان الاعترافات تم نزعها انتزاعا تحت التعذيب وأتوقع ان الأحكام تكون معدة وجاهزة وسيتم الحكم على المطالبين بالإصلاح السياسي بأحكام قاسية تصل الى عشرات السنين في السجون ليكونوا عبرة لكل مطالب بالحرية.
وأخيرا ان المطالبة الشعبية بتفعيل دور المجلس الوطني من انتخابات حرة ونزيهة واعطائه صلاحيات في التشريع والرقابة اقل ما يمكن قبوله وهي مطالبات مشروعة في اقل الدول النامية. الا انه يبدو ان حكام الامارات وخاصة في ابوظبي غير مستعديين بإعطاء المواطنين أية حقوق سياسية ليكون له دوراً ولو يسيراً بالمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.
ولا اعتقد بمحاكمة الإصلاحيين ستنتهي القضية لان الشعب الاماراتي اصبح واعيا ولا يقبل الا ان يكون له دورا فاعلا في المشاركة الشعبية خصوصا مع وجود الظلم والفساد والمحسوبية والاستبداد وتعطيل القضاء والتعدي على حقوق الانسان. ان محاكمة الاخوان في الامارات وإلصاق التهم بهم وسجنهم ومحاربتهم لن يحل القضية فالأولى للحكومة الإماراتية احتضانهم ليكونوا فاعلين في بناء الدولة بشكل واضح وصريح بدل من تركهم للرجوع الى العمل السري والذي ثبت فعاليته على مستوى العالم. ان معاداة الاخوان المسلمين في العالم ليس من مصلحة الامارات فالأخوان يحكمون فعليا من المغرب الى تركيا ليس بالانقلابات او بالسلاح وانما بانتخاب شعبي من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وان اتهام الاخوان كأنها جماعة خارجة على القانون لا ينطلي على احد فتاريخ جماعة الاخوان في العالم تاريخ مشرف لذلك يجدون القبول من الشعب العربي والإسلامي.
المصدر دعوة الاصلاح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق