بقلم: د. توفيق الواعي
وقد صوَّر هذا الكثيرون من الغيورين والمصلحين، وتحمَّلوا في سبيل ذلك السجون والمعتقلات، بل والقتل والتشريد، ونحن نذكر بعضًا من شعر جميل صدقي الزهاوي في هذا الحال:
ويد الأيام بدأت تمتد إلى الظالمين وتأخذهم، وتبدِّد شملَهم وتهدم بغيهم، ولكن من الغريب أن كثيرًا من الظالمين لا يلتفت إلى سوء مصيره، ولا إلى سواد عاقبته، ولعل هذا مصداقٌ لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لَيُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، وكيف يفلت الظالم ولم يرَ سوءَ عاقبتِه وجزَاءَ عمله في الدنيا؟!
كما أن المظلومين الذين يستنيمون للظلم والبغي ولا ينكرونه ولا يعملون على إزالته مؤاخذون بصبرهم على الظلم وعدم مقاومته أو مفاصلته؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)﴾ (النساء) ولكن القرآن استثنى المستضعفين من هؤلاء، فقال: ﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)﴾ (النساء).
كما أنه لا يسلم من العقوبة من لا يدفع عن المظلوم، قال الله تعالى في حديث قدسي: "وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلومًا فقدر أن ينصره فلم يفعل".
ولهذا ينبغي أن تشِيْع ثقافة منع الظلم وإزالة البغي، بأن يكون هناك التفاتٌ إلى ما يلي:
1- وجوب الدفع عن المظلوم والوقوف في وجه الظالم.
2- قول كلمة الحق في وجه الظالم وعدم الخوف منه، وقد اعتبرها الإسلام أمرًا حتميًّا.
3- "أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر"، أي لتردَّه للصواب، وتدفع الجور والبغي عن المراد ظلمه.
4- الانتصار له وردّ حقّه إليه، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)﴾ (الشورى)، أي ينتصر المسلمون بعضهم لبعض، فلا يُستذلُّ المسلم الصالح ولا يجترئ عليه الفساق.
5- وجوب الأخذ على يد الظالم، وأن يتعوَّد الناس على ردع المعتدي والظالم الذي يخرج على القانون أو يبغي على الأموال والحرمات، وإلا كان الضياع والذلة والمسكنة: "إن الناس إذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك الله أن يعمَّهم بعذاب من عنده"، وأول هذا العذاب الاستضعاف وذهاب العزة والكرامة والدخول في نفق الذلة والمسكنة وذهاب الريح.
6- الاستنصار بالله على الظالمين، ومن دعاء المسلمين: "اللهم لا تجعل الظالمين علينا حاكمين"، ومن ثقافة ردِّ الظلم والانتصار على المحن شدُّ أزْر المظلومين.
وقد أعجبني انتصار أبناء المعتقلين ظلمًا هذه الأيام لآبائهم، حين سمعتهم يقولون بصوتهم الشجيّ:
وسمعت غيرهم وغيرهم من الأطفال الذين لا يملكون إلا هذا، فقلت: والله لو فقه الناس هذه الثقافة لانتَصروا على كل ظالم وباغٍ، كلٌّ بما يقدِر عليه، ثم لماذا لا تجمع هذه الأناشيد والخواطر، وتكون ثقافةً تقاوم الظلم وتنتصر على المحن، وتحرِّك الشعوب نحو الخلاص؟!
د. توفيق الواعي
|
بنفسي هذه الأمة الحيرى على مفترق الطرق والتائهة في بحور الظلمات، كم مرَّ عليها من حقب سود، وعهود مظلمة! وكم ذاقت من الهوان ما ذاقت من مستعمريها ثم من بعض بنيها، وكانوا أشدَّ عليها من أعدائها! وكما يقول طرفة بن العبد:
وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً على النفس من وقْع الحسام المهنّد
وقد صوَّر هذا الكثيرون من الغيورين والمصلحين، وتحمَّلوا في سبيل ذلك السجون والمعتقلات، بل والقتل والتشريد، ونحن نذكر بعضًا من شعر جميل صدقي الزهاوي في هذا الحال:
رعى الله ربعًا كان بالأمس عامرًا بأهليه وهو الآن قفرٌ معطلٌ
كأني بالأوطان تندب فتية عليهم إذا ضام الزمان المُعوَّلُ
ألا من طبيب ذي تجارب حاذق يضمد جرحًا داميًا كاد يقتل
توالت عليها الحادثات فكلما ترجل عنها مشكل حلّ مشكل
تُعلل بالآمال نفسك راجيًا سلامًا لها لو كان يجدي التعلل
وما هي إلا دولة همجية تسوس بما يقضي هواها وتعمل
فترفع بالإعزاز من كان جاهلاً وتخفض بالإذلال من كان يعقل
فمن كان فيها أولاً فهو آخر ومن كان فيها آخرًا فهو أول
إذا نزلوا أرضًا تفاقم خطبها كأنهم فيها البلاء الموكَّلُ
وكم نبغت فيها رجال أفاضل فلمَّا دهاها العسف عنها ترحلوا
شريف يُنحَّى عن مواطن عزه وآخر حرٌّ بالحديد يكبل
إذا سكت الإنسان فالهمُّ والأسى وإذا هو لم يسكت فموت معجَّل
لقد عبثت بالشعب أطماع ظالم يحمِّله من جوره ما يُحمل
فيفقر ذا مال وينفي مبرَّأً ويسجن مظلومًا ويسبي ويقتل
تمهَّل قليلاً لا تغظ أمة إذا تأجج فيها الغيظ لا تتمهَّل
وأيديك إن طالت فلا تغتر بها فإن يد الأيام منهن أطول
ويد الأيام بدأت تمتد إلى الظالمين وتأخذهم، وتبدِّد شملَهم وتهدم بغيهم، ولكن من الغريب أن كثيرًا من الظالمين لا يلتفت إلى سوء مصيره، ولا إلى سواد عاقبته، ولعل هذا مصداقٌ لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لَيُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، وكيف يفلت الظالم ولم يرَ سوءَ عاقبتِه وجزَاءَ عمله في الدنيا؟!
كما أن المظلومين الذين يستنيمون للظلم والبغي ولا ينكرونه ولا يعملون على إزالته مؤاخذون بصبرهم على الظلم وعدم مقاومته أو مفاصلته؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)﴾ (النساء) ولكن القرآن استثنى المستضعفين من هؤلاء، فقال: ﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)﴾ (النساء).
كما أنه لا يسلم من العقوبة من لا يدفع عن المظلوم، قال الله تعالى في حديث قدسي: "وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلومًا فقدر أن ينصره فلم يفعل".
ولهذا ينبغي أن تشِيْع ثقافة منع الظلم وإزالة البغي، بأن يكون هناك التفاتٌ إلى ما يلي:
1- وجوب الدفع عن المظلوم والوقوف في وجه الظالم.
2- قول كلمة الحق في وجه الظالم وعدم الخوف منه، وقد اعتبرها الإسلام أمرًا حتميًّا.
3- "أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر"، أي لتردَّه للصواب، وتدفع الجور والبغي عن المراد ظلمه.
4- الانتصار له وردّ حقّه إليه، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)﴾ (الشورى)، أي ينتصر المسلمون بعضهم لبعض، فلا يُستذلُّ المسلم الصالح ولا يجترئ عليه الفساق.
5- وجوب الأخذ على يد الظالم، وأن يتعوَّد الناس على ردع المعتدي والظالم الذي يخرج على القانون أو يبغي على الأموال والحرمات، وإلا كان الضياع والذلة والمسكنة: "إن الناس إذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك الله أن يعمَّهم بعذاب من عنده"، وأول هذا العذاب الاستضعاف وذهاب العزة والكرامة والدخول في نفق الذلة والمسكنة وذهاب الريح.
6- الاستنصار بالله على الظالمين، ومن دعاء المسلمين: "اللهم لا تجعل الظالمين علينا حاكمين"، ومن ثقافة ردِّ الظلم والانتصار على المحن شدُّ أزْر المظلومين.
وقد أعجبني انتصار أبناء المعتقلين ظلمًا هذه الأيام لآبائهم، حين سمعتهم يقولون بصوتهم الشجيّ:
أبي خلف قيد الظلام اللعين أبي، قد غدوت بظلم سجين
فإن غبت يومًا عن الناظرين فأنت ضياء سيعلو الجبين
أبي، ما جزعنا ولن نجزعا وهل يقبل الحرُّ أن يركعا؟!
أبي، ما عرفنا طريق الوهن وإنا وراءك طول الزمن
وأمي وأختي وذاك الصغير يقولون: صبرًا ستمضي المحن
أبي، ستهون جراح السنين بفجر سيأتي ولو بعد حين
وسمعت غيرهم وغيرهم من الأطفال الذين لا يملكون إلا هذا، فقلت: والله لو فقه الناس هذه الثقافة لانتَصروا على كل ظالم وباغٍ، كلٌّ بما يقدِر عليه، ثم لماذا لا تجمع هذه الأناشيد والخواطر، وتكون ثقافةً تقاوم الظلم وتنتصر على المحن، وتحرِّك الشعوب نحو الخلاص؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق