الخميس، 9 أغسطس 2012

دعوة مظلوم تمحي دولة




قال الله تعالى و لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء * و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الأمثال و قال الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و قال الله تعالى و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

و قال صلى الله عليه و سلم إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد

و قال صلى الله عليه و سلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه

و قال صلى الله عليه و سلم عن ربه تبارك و تعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع ، فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام و حج فيأتي و قد شتم هذا ، و أخذ مال هذا ، و نبش عن عرض هذا ، و ضرب هذا ، و سفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار و هذه الأحاديث كلها في الصحاح و تقدم حديث إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة و تقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمين و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب و في الصحيح من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة

و في بعض الكتب يقول الله تعالى اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصراً غيري و أنشد بعضهم

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم يرجع عقباه إلى الندم

تنام عيناك و المظلوم منتبه يدعو عليك و عين الله لم تنم

و كان بعض السلف يقول لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء ، و قال أبو هريرة رضي الله عنه إن الحباري لتموت في وكرها هزالاً من ظلم الظالم و قيل مكتوب في التوراة ينادي مناد من وراء الجسر ـ يعني الصراط ـ يا معشر الجبابرة الطغاة ،و يا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته و جلاله أن لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم عن جابر قال لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة فقال فتية كانوا منهم بلى يا رسول الله بينما نحن يوماً جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة ماء ، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على ركبتيها و انكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي و جمع الله الأولين و الآخرين و تكلمت الأيدي و الأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري و أمرك عنده غداً قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم

إذا ما الظلوم استوطأ مركبا و لج عتواً في قبيح اكتسابه

فكله إلى صرف الزمان و عدله سيبدو له ما لم يكن في حسابه

و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا و إلا أمر بهم في الآخرة إلى النار أمير قوم يأخذ حقه من رعيته و لا ينصفهم من نفسه و لا يدفع الظلم عنهم و زعيم قوم يطيعونه و لا يساوي بين القوي و الضعيف و يتكلم بالهوى ، و رجل لا يأمر أهله و ولده بطاعة الله و لا يعلمهم أمر دينهم ، و رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل و لم يوفه أجرته و رجل ظلم امرأة صداقها

و عن عبد الله بن سلام قال إن الله تعالى لما خلق الخلق و استووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء ، و قالوا يا رب مع من أنت قال مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه و عن وهب بن منبه قال بني جبار من الجبابرة قصراً و شيده ، فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخاً تأوي إليه ، فركب الجبار يوماً و طاف حول القصر ، فرأى الكوخ فقال لمن هذا فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم ، فجاءت العجوز فرأته مهدوماً فقالت من هدمه فقيل الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء ، و قالت يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت قال فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من كان فيه فقلبه

و قيل لما حبس خالد بن برمك و ولده قال يا أبتي بعد العز صرنا في القيد و الحبس فقال يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها و لم يغفل الله عنها ، و كان يزيد بن حكيم يقول ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته ، و أنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله يقول لي حسبي الله الله بيني و بينك

و حبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعراً

أما و الله إن الظلم شوم و ما زال المسيء هو المظلوم

ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غداً عند المليك من الملوم

و عن أبي أمامة قال يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم لقيه المظلوم و عرفه ما ظلمه به ، فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات ، فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار

و عن عبد الله بن أنيس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ، أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة أو أحد من أهل النار أن يدخل النار و عنده مظلمة أن أقصه حتى اللطمة فما فوقها و لا يظلم ربك أحد قلنا يا رسول الله كيف و إنما نأتي حفاة عراة فقال بالحسنات و السيئات جزاء و لا يظلم ربك أحداً و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من ضرب سوطاً ظلماً اقتص منه يوم القيامة و مما ذكر أن كسرى اتخذ مؤدباً لولده يعلمه و يؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في الفضل و الأدب استحضره المؤدب يوماً و ضربه ضرباً شديداً من غير جرم و لا سبب ، فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر و مات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر المعلم و قال له ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا و كذا ضرياً وجيعاً من غير جرم و لا سبب ، فقال المعلم اعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في الفضل و الأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك ، فأردت أن أذيقك ألم الضرب و ألم الظلم حتى لا تظلم أحداً ، فقال جزاك الله خيراً ثم أمر له بجائزة و صرفه

و من الظلم أخذ مال اليتيم ، و تقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب

و في رواية أن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام و يقول الرب تبارك و تعالى و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين و أنشدوا شعراً

توق دعا المظلوم إن دعاءه ليرفع فوق السحب ثم يجاب

توق دعا من ليس بين دعائه و بين إله العالمين حجاب

و لا تحسبن الله مطرحاً له و لا أنه يخفى عليه خطاب

فقد صح أن الله قال و عزتي لأنصر المظلوم و هو مثاب

فمن لك يصدق ذا الحديث فإنه جهول و إلا عقله فمصاب

فصل و من أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مطل الغني ظلم و في رواية لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ، أي يحل شكايته و حبسه

فصل و من الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها و هو داخل في قوله صلى الله عليه و سلم لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته

و عن بن مسعود رضي الله عنه قال يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينادي به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه قال فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها ثم قرأ فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون قال فيغفر الله من حقه ما شاء و لا يغفر من حقوق الناس شيئاً ، فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى لأصحاب الحقوق ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته ، فإن كان ولياً لله و فضل له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله الجنة بها ، و إن كان عبداً شقياً و لم يفضل له شيء فتقول الملائكة ربنا فنيت حسناته و بقي طالبوه ، فيقول الله خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صك له صكاً إلى النار و يؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم أتدرون من المفلس فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام ، و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا ، فيؤخذ من حسناته و لهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فصل و من الظلم أن يستأجر أجيراً أو إنساناً في عمل و لا يعطيه أجرته لما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي غدر ، و رجل باع حراً فأكل ثمنه ، و رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل و لم يعطه أجرته و كذلك إذا ظلم يهودياً أو نصرانياً أو نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله تعالى أنا حجيجه ـ أو قال أنا خصمه ـ يوم القيامة و من ذلك أن يحلف على دين في ذمته كاذباً فاجراً لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة قيل يا رسول الله و إن كان شيئاً يسيراً قال و إن قضيباً من أراك

فخف القصاص غدا إذا وفيت ما كسبت يداك اليوم بالقسطاس

في موقف ما فيه إلا شاخص أو مهطع أو مقنع للراس

أعضاؤهم فيه الشهود و سجنهم نار و حاكمهم شديد البأس

أن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى فغدا تؤديها مع الإفلاس

و قد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء و قال صلى الله عليه و سلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، و إن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ثم طرح في النار و روى عبد الله بن أبي الدنيا بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أول من يختصم يوم القيامة الرجل و امرأته و الله ما يتكلم لسانها و لكن يداها و رجلاها يشهدان عليها بما كانت تعنث لزوجها في الدنيا و يشهد على الرجل يده و رجله بما كان يولي زوجته من خير أو شر ، ثم يدعى بالرجل و خدمه مثل ذلك فما يؤخذ منهم دوانيق و لا قراريط و لكن حسنات هذا الظالم تدفع إلى هذا المظلوم ، و سيئات هذا المظلوم تحمل على هذا الظالم ، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال سوقوهم إلى النار و كان شريح القاضي يقول سيعلم الظالمون حتى من انتقصوا أن الظالم ينتظر العقاب و المظلوم ينتظر النصر و الثواب

و روي أنه أراد الله بعبده خيراً سلط عليه من يظلمه ، و دخل طاوس اليماني على هشام بن عبد الملك فقال له اتق الله يوم الأذان ، قال هشام و ما يوم الأذان قال قال الله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فصعق هشام فقال طاوس هذا ذا الصفة فكيف بذل المعاينة يا راضياً باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم ، و الحق الحاكم

فصل في الحذر من الدخول على الظلمة و مخالطتهم و معونتهم قال الله تعالى و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار و الركون ههنا السكون إلى الشيء و الميل إليه بالمحبة قال ابن عباس رضي الله عنهما لا تميلوا كل الميل في المحبة و لين الكلام و المودة ، و قال السدي و ابن زيد لا تداهنوا الظلمة ، و قال عكرمة هو أن يطيعهم و يودهم ، و قال أبو العالية لا ترضوا بأعمالهم فتمسكم النار فيصيبكم لفحها و ما لكم من دون الله من أولياء ، و قال ابن عباس رضي الله عنهما ما لكم من مانع يمنعكم من عذاب الله ثم لا تنصرون لا تمنعون من عذابه ، و قال الله تعالى احشروا الذين ظلموا و أزواجهم أي أشباههم و أمثالهم و أتباعهم و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون و يكذبون ، فمن دخل عليهم و صدقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه ، و من لم يدخل عليهم و لم يعنهم على ظلمهم فهو مني و أنا منه و عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم من أعان ظالماً سلط عليه ، و قال سعيد بن المسيب رحمه الله لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة ، و قال مكحول الدمشقي ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة و أعوانهم فما يبقى أحد مد لهم حبراً أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلماً فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم و جاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم ، و لكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة و الخيوط

و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون معهم الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال الجلاوزة و الشرط كلاب النار يوم القيامة الجلاوزة أعوان الظلمة

و قد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني اسرائيل أن لا يتلو من ذكري فإني أذكر من ذكرني ، و أن ذكري إياهم أن ألعنهم ، و في رواية فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه

و روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أتى رجل في قبره فقيل له إنا ضاربوك مائة ضربة فلم يزل يتشفع إليهم حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه ، فالتهب القبر عليه ناراً فقال لم ضربتموني هذه الضربة فقالوا إنك صليت صلاة بلا طهور و مررت برجل مظلوم فلم تنصره فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة على نصره فكيف حال الظالم

و قد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فقال يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره

و مما حكي قال بعض العابدين رأيت في المنام رجلاً ممن يخدم الظلمة و المكاسين بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت له ما أحوالك قال شر حال ، فقلت إلى أين صرت قال إلى عذاب الله قلت فما حال الظلمة عنده قال شر حال ، أما سمعت قول الله عز و جل و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و مما حكي قال بعضهم رأيت رجلاً مقطوع اليد من الكتف و هو ينادي من رآني فلا يظلمن أحداً فتقدمت إليه ، فقلت له يا أخي ما قصتك قال يا أخي قصة عجيبة ، و ذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوماً صياداً و قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني ، فجئت إليه فقلت أعطني هذه السمكة ، فقال لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتاً لعيالي ، فضربته و أخذتها منه قهراً و مضيت بها قال فبينا أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية فلما جئت بها إلى بيتي و ألقيتها من يدي ضربت على إبهامي و آلمتني ألماً شديداً حتى لم أنم من شدة الوجع و الألم و ورمت يدي ، فلما أصبحت أتيت الطبيب و شكوت إليه الألم ، فقال هذه بدء الآكلة أقطعها و إلا تقطع يدك ، فقطعت إبهامي ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم و لا القرار من شدة الألم ، فقيل لي إقطع كفك فقطعته ، و انتشر الألم إلى الساعد و آلمني ألماً شديداً ، و لم أطق القرار ، و جعلت أستغيث من شدة الألم فقيل لي اقطعها إلى المرفق فقطعتها ، فانتشر الألم إلى العضد و ضربت على عضدي أشد من الألم الأول ، فقيل اقطع يدك من كتفك و إلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها فقال لي بعض الناس ما سبب ألمك فذكرت قصة السمكة ، فقال لي لو كنت رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة و استحللت منه و أرضيته لما قطعت من أعضائك عضواً، فاذهب الآن إليه و اطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته ، فوقعت على رجليه أقبلها و أبكي و قلت له يا سيدي سألتك بالله إلا عفوت عني فقال لي و من أنت قلت أنا الذي أخذت منك السمكة غصباً ، و ذكرت ما جرى و أريته يدي فبكى حين رآها ثم قال يا أخي قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء ، فقلت يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها قال نعم قلت اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلماً فأرني قدرتك فيه فقلت يا سيدي قد أراك الله قدرته في و أنا تائب إلى الله عز و جل عما كنت عليه من خدمة الظلمة ، و لا عدت أقف لهم على باب ، و لا أكون من أعوانهم ما دمت حياً إن شاء الله و بالله التوفيق

موعظة إخواني كم أخرج الموت نفساً من دارها لم يدارها ، و كم أنزل أجساداً بجارها لم يجارها ، و كم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها ـ شعر

يا معرضاً بوصال عيش ناغم ستصد عنه طائعاً أو كارها

إن الحوادث تزعج الأحرار عن أوطانها و الطير عن أوكارها

أين من ملك المغارب و المشارق ، و عمر النواحي و غرس الحدائق ، و نال الأماني و ركب العوائق صاح به من داره غراب بين ناعق ، و طرقه في لهوه أقطع طارق ، و زجرت عليه رعود و صواعق ، و حل به ما شيب بعض المفارق ، و قلاه الحبيب الذي لم يفارق ، و هجره الصديق و الرفيق الصادق ، و نقل من جوار المخلوقين إلى جوار الخالق نازله و الله الموت فلم يحاشه ، و أذله بالقهر بعد عز جاشه ، و أبدله خشن التراب بعد لين فراشه ، و مزقه الدود في قبره كتمزيق قماشه ، و بقي في ضنك شديد من معاشه ، و بعد عن الصديق فكأنه لم يماشه ما نفعه و الله الإحتراز ، و لا ردت عنه الركاز ، بل ضره من الزاد الأعواز ، و صار و الله عبرة للمجتاز ، و قطع شاسعاً من السبل الأوفاز ، و بقي رهيناً لا يدري أهلك أم فاز و هذا لك بعد أيام ، و ما أنت فيه الآن أحلام ، و دنياك لا تصلح و ما سمعت ستراه غداً على التمام ، و يقع لي ولك ، ويحك أما يؤثر فيك الكلام

ومن اسباب سقوط الدول الظلم كما يقول الشيخ سلمان العودة



السبب الرابع: الظلم:- ورُبَّ دعوة مظلوم تُسقِط دولة؛ ولذلك جاء في الحديث: {اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} وجاء في مسند الإمام أحمد وغيره بسند حسن: {اتق دعوة المظلوم ولو فاجراً -وفي رواية ولو كافراً-} ففجوره على نفسه، فإن الظلم من أعظم أسباب زوال الدول، ولذلك قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن الله تعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة. فالعدل أساس الملك -كما يقال- وكثيراً ما تجد سبب زوال دولة ظلم، إما ظلم عام، أو ظلم خاص. فمن الظلم العام -مثلاً-: نهب أموال الرعية، وأخذ أراضيهم، والمحسوبية في الشركات والأعمال والوظائف وغيرها. ومن أنواع الظلم: التفاوت والطبقية في الناس، بحيث إنه إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق الشريف تركوه، فكأن هناك أناساً يجري في عروقهم دم مقدس، إن سرقوا، أو زنوا، أو فجروا، لا تقام عليهم الحدود، فيتركون وربما يؤدبون بأدب معين، كأن يسجن، أو يوبخ، أو يجرد من منصبه، أو ما أشبه ذلك، لكن لا يقام عليه حد وحكم الله تعالى، فإذا سرق ضعيف من سائر الناس، فإنه يقام عليه الحد؛ فهذا من الظلم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أسباب هلاك الأمم، فلما كُلِّم في المخزومية التي سرقت قال صلى الله عليه وسلم: {إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه -وفي رواية أقاموا عليه الحد- وإذا سرق فيهم الشريف تركوه، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها} إلى هذا الحد بلغ العدل، حتى مع أقرب الناس. والعدل -أيها الأحبة- ليس مجرد تهريج وخداع وتضليل للناس، فأحياناً بعض الحكام يريد أن يتظاهر بالعدل، فيصنع مناورة في جهاز من أجهزة إعلامه، يضحك بها على الخلق، ويخيل إليه أن الناس غُفَّل وسذج، يصدقون ما يقول. وأذكر -على سبيل المثال- أن أحد الحكام في دولة عربية -ولا يزال موجوداً- في يوم من الأيام كان له ولد يقوم على جهاز من أجهزة الأمن، هو المسئول عن استخبارات بلده، فهذا الولد كان كأبيه سفاكاً للدماء قتالاً، فقتل مجموعة من الناس، ومن ضمن من قتل رجل كان خادماً عند أبيه، وسأل: أين فلان؟ فقيل له: قتله ولدك فلان! فغضب وهاج وماج، ووجد أهل القتيل غاضبين لماذا يقتل وهو يعمل في بلاط الرئيس؟! إلى غير ذلك، فأراد الحاكم أن يصنع موقفاً يضحك به على عقول البلهاء والسُذَّج، فأعلن أنه سوف يقتل ولده، وشاع هذا في أجهزة الإعلام، حتى في أجهزة إعلامنا هنا نشر الخبر، أن الرئيس سوف يقتل ولده قصاصاً، ما شاء الله تبارك الله..! إلى هذا الحد.. العدلُ...؟! لكن تدخل أهل القتيل، وأعلنوا للرئيس أننا نحن متنازلون، وولدك في الواقع ولدٌ لنا، وقتلك له قتل لنا، ونحن نتنازل عن دم ولدنا، ونريد أن تحقن دم ولدك الذي قَتل، وهكذا حقن دم ولده، وأعاده إلى عمله! فهذه ألعوبة، ليس هذا هو العدل، العدل هو أن يكون الحاكم يجري الأحوال والأمور والحدود والأحكام على القريب والبعيد والعالي والنازل والشريف والوضيع على حد سواء، وإلا فليأذن بزوال مملكته ودولته عاجلاً غير آجل. وأذكر لكم قصة شهدتها بلاد الأندلس، وهي تدل على أثر الظلم في زوال الدول واضمحلالها. كان هناك رجل اسمه المعتمد بن عباد حاكماً لبعض هذه الولايات، وكان رجلاً شجاعاً قوياً كريماً طموحاً فيه من خصال الخير ما فيه، ولكن كان فيه ترف وبذخ وإسراف في تضييع الأموال، استعان به رجل من بني جهور، قد هاجمته قوة مجاورة، فاستعان بـالمعتمد بن عباد وقال له: تعال، احمِ دولتي من الغازي الذي هو ابن ذي النون، الذي يريد أن يقضي على مملكتي. فجاء المعتمد بن عباد ليساعد ابن جهور ويحمي دولته، جاء بجيش قوي كثيف، ومعه جنده وأعوانه، فصار على حدود مملكة بني جهور، فلما رأى ابن ذي النون الغازي هذا الجيش انسحب وهرب. إذاً المهمة التي جاء من أجلها المعتمد بن عباد انتهت، والجيش الذي أتى ليطرده قد هرب بنفسه. وخرج الحاكم من بني جهور في الصباح الباكر ليودع جيش المعتمد بن عباد، ويشكرهم على نجدتهم وعونهم، فلم يرعَ إلا والمعتمد بن عباد قد بثَّ جيوشه في المدينة وحوالي القصر، وجعل الشرطة في كل مكان، واحتل المدينة! وكما يقولون -بلغة العصر الحاضر-: اجتاحها، اجتاح المدينة وسيطر عليها تماماً كما فعل العراق بـالكويت؟! في صبيحة يوم لم يكن يخطر ببالهم شيء من ذلك!! فالجيش جاء ليحمي المدينة وإذا به يحتل المدينة! فأصيب الحاكم من بني جهور بصدمة عنيفة، وقبض عليه، وقبض على والده، وكان والده قد أصيب بالفالج "الشلل النصفي" ومالَ شدقُه، ومات شقه، وكان يعيش حالة صعبة. فقُبض عليه، وأخذت أموالُه، وأودع أولاده في السجن، أخذ عَبيدَه، وسُبِيت زوجاتُه، ثم أخرج من المدينة بهذه الصورة، ونفي إلى مدينة أخرى، فكان أبو الملك وهو الذي أصيب بالفالج، ومال شدقه، كان يقول لولده: -والله- إن هذا لأثر دعوة مظلوم ظلمناه بالأمس. يقصد الذي أصابنا. ثم رفع الأب المشلول بصره إلى السماء، وقال: اللهم كما انتقمت للمظلومين منا، فانتقم لنا من الظالمين، إذاً الآن الدور واقف على المعتمد بن عباد. وظل المعتمد بن عباد في ملكه فترة، حتى اجتاحت مُلْكَه دولة المرابطين، وأسر المعتمد بن عباد، وأخذت أمواله، وأخذ أولاده، وقَضَى حياته في أغمات في مدينة بـالمغرب أسيراً أثقلت القيود يديه ورجليه، ومات في السجن! وكانت بناتُه بالأمس (بنات الملك) لهن من الترف ما سوف أذكره لكم في قصة طريفة بعد قليل، فأصبحت بناتُه يشتغلن بالغزل في الشوارع، يَغْزِلْنَ للناس، حتى إن إحدى بناته وقفت في يوم من الأيام تغزل لرجل، فلما نظرت إلى هذا الرجل كان أحد العرفاء -أحد الشرطة- عند والدها! تغزل له مقابل مبلغ يسير من المال تقتات به، وتطعم والدها الذي أصبح في السجن..! فانتقم الله تعالى أيضاً من المعتمد بن عباد، كما انتقم قبل من بني جهور.. إذاً كم من دعوة مظلوم أسقطت دولة! والعدل أساس الملك.
__________ 
الموضوع الأصليدعوة مظلوم تمحي دولة  || المصدرمنتدى أنصار السنة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق