بقلم: عبدالله عبدالرحمن
ما أسرع الأيام والسنين وهي تمر بالإعلاميين لتنقلهم من عصر الحمام الزاجل في التواصل ونقل الأخبار إلى عصر الاتصالات والمعلومات الفضائية التي حولت العالم إلى قريه تسبرها من أولها لآخرها بالصوت والصورة في أي لحظة..
نعم.. إن الإعلام بجميع أشكاله أصبح ضرورة حياتية للمجتمع البشري، وأصبحت المهنة الإعلامية مهنة عالمية ذات معايير وضوابط أخلاقية متفق عليها، فالإعلامي عنده ميثاق شرف يحتم عليه الصدق في تحري المعلومة والحيادية في طرحها والأمانة في نقلها كما يحتم عليه احترام عقل القارئ وإنسانيته بعدم التدليس عليه باستخدام التقنيات المتقدمة.
ونظرة سريعة إلى الإعلام العربي عبر العقود القليلة الماضية وحتى اليوم يتبين لنا أنه مثال صارخ للصوت الواحد الذي في معظمه قد فقد المصداقية والحيادية وتحول إلى أبواق لا تفتر عن تمجيد الدكتاتوريات العربية وقمع كل صوت أو رأي حر.
إن أصوات الإعلام العربي ترتفع وتنخفض مع وتيرة التصريحات الرسمية والأمنية في سمفونية متناغمة وإيقاع توافقي ينبىء بالمؤامرة البغيضة على الشعوب العربية. لقد حفظتها الشعوب العربية عن ظهر قلب حتى ملت من التطبيل الإعلامي الفارغ من القيم والأخلاق في تلفيق التهم للأحرار بل واقتراح الجزاء المناسب لأفعالهم قبل أن تنبس المحاكم المسيسة ببنت شفة، فإذا نطقت المحاكم بالتهم المعلبة والجزاء المعد مسبقاً وذلك حسب ما استبقت إليه وسائل الإعلام في سعيها الإعلامي الكاشف للغيب تفطرت وسائل الإعلام من زخم الحملات الإعلامية التي تستمر حتى تأتي سيناريوهات جديدة في كبت الشعوب وأحرار الرأي.
والسؤال الذي يتبادر للذهن ونحن في القرن الواحد والعشرين والعالم قد بلغ من التحضر والوعي مبلغاً جعله يستهجن مثل هذه الممارسات الطفولية غير البريئة: لماذا يبيع بعض الإعلاميين ضمائرهم وينتهكون شرف مهنتهم بل ويقولون ويكتبون خلاف مايقتنعون به؟ هل الإعلام أصبح مسيساً للأنظمة؟ هل أصبح جهاز الأمن يتحكم في الإمبراطورية الإعلامية ويقودها كما يقود الطفل الجمل الكبير؟.
إن الحقيقة كما تبدو في دولة الإمارات لا تقبل اللبس أن جهاز الأمن بات يراقب كل شاردة وواردة في الإعلام بل إنه الوحيد الذي يخول بالموافقة على ممارسة مهنة الإعلام في جميع وسائلها وهو الذي يقيل من يشاء ويعين من يشاء بل قد ذهب إلى أبعد من ذلك ففي الآونة الأخيرة أصبح جهاز الأمن يزرع إعلاميين من كوادره في جميع وسائل الإعلام، أما أصحاب الرأي والقلم الحر فجميعهم في قائمة سوداء لايمكن أن يحالفهم الحظ ولو لمرة واحدة للظهور في الإعلام.
ولعلي في الختام أشير إلى حالة مازالت تتفاعل على الساحة الإماراتية وهي اتهام جهاز الأمن لأعضاء دعوة الإصلاح بتهم تمس أمن الدولة وعَد ذلك اكتشافاً أمنياً، علماً بأن دعوة الإصلاح عمرها من عمر الدولة ومؤسساتها رسمية وأعضاؤها يعرفهم المجتمع بكفاءاتهم وإخلاصهم لوطنهم، ولكن ما إن أعلن جهاز الأمن عن التهمة المعلبة العربية الصنع إلا ورأينا الإعلام الإماراتي وبالأخص بعض الكتاب إلا وهم يكيلون في اليوم الأول التهم ويوضحون الحيثيات ويقترحون الجزاء المناسب وذلك قبل أن يمثل المعتقلون أمام القضاء، فإذا قرأت جريدة الاتحاد مثلاً في اليوم الأول من نشر الخبر تجد مجموعة من الكتاب يتفننون في السب والشتم والتحريض وكَيل الاتهامات لدعاة الإصلاح بل واقترحوا قائمة من العقوبات جزاء لهؤلاء المعتقلين. ويلاحظ القارئ تطاير شرر الحقد والكيد لدى هؤلاء، في الوقت الذي كان يفترض منهم نشر الخبر وانتظار نتائج التحقيق أو على الأقل مقابلة طرفي النزاع للوقوف على رأي الجميع، والعجيب أنه في اليوم الثاني سكت الجميع عن التحدث عن القضية وكأنهم آلة تحركها أيدي الأمن في الوقت المناسب.
هل بقي لمثل هؤلاء الإعلاميين مصداقية تحفظ ماء وجوههم عند الشعب المثقف الذي يحاولون استغفاله؟ والمنطق الذي لابد أن يسود في هذه الحالة: إذا كنت لا تستطيع قول الحق فلا أقل من أن تصمت فيسلم منك الناس وتسلم من خيانة الأمانة وقبل ذلك تسلم من تعريض نفسك لطائلة الحساب أمام الله سبحانة وتعالى لقولك الزور والبهتان والتدليس على أبرياء من بني جلدتك. ولكن : إذا لم تستح فاصنع ماشئت
نقل عن مدونة اخبار الحليج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق