كلمة تسجل في تاريخ #الإمارات لــ #الشيخ_سلطان_القاسمي - رئيس دعوة الإصلاح
#محاكمة_أحرار_الإمارات
إن المتتبع لتاريخ دولة الإمارات منذ نشأتها ليجد أن هذه القضية فريدة في نوعها وأهميتها، فريدة في نوعية المتهمين بها والمتابعين لها، ولذلك لا أظن أن الذي يحاكم ويحاسب فيها هم المتهمون من دعوة الإصلاح فحسب، بل إن كثيراً من الأنظمة الرسمية وغير الرسمية المشاركة في هذه المحاكمة هي تحت الأنظار وتحت المحاسبة، ولعل على رأس هذه الأنظمة، هو النظام القضائي بجوانبه المختلفة، قوانينه وإجراءاته وقضاته، إضافة إلى أنظمة أخرى مشاركة، كالنظام الإعلامي والنظام الأمني، وما أتمناه الفوز للجميع ولدولتنا الغالية.
تمنيت أن النيابة العامة، التي هي نيابة عن الناس، أن تبقي الصراع الذي بيننا، صراع حجة وبرهان، وتترفع عما قامت به عندما كالت لنا نحن المتهمون، سيلاً من السباب والشتائم والتخوين، عندما يقول الأخ ممثل النيابة: "لا يتورعون عن أي فعل مهما تدنى ..." ، "فقدوا هويتهم ... ولم يعد للوطن قيمة عندهم ..." ، "ينخرون في جسد الوطن كالسوس ..." نحن لا نزايد على أحد في وطنيته، وفي نفس الوقت لا نقبل أن يزايد على وطنيتنا أحد.
ومن غرائب ما أتت به النيابة أنها اتهمتنا كما قالت "... أن ولاءهم للعقيدة لا للوطن ..." ، وهذا كلام خطير في العقيدة، إننا نعتز بعقيدتنا ونؤكد بأن الولاء للعقيدة هو الذي يدعو إلى الحفاظ على الوطن وحمايته وفدائه بالغالي والرخيص، ولذا كان من مات دون أرضه فهو شهيد.
يبدو أن المعلومات الكثيرة التي جمعتها النيابة وجهاز أمن الدولة عن طريق الاستجواب بالتعذيب أو بدونه، أو عن طريق الأساليب المختلفة الأخرى، لقضية تعود جذورها لأكثر من أربعين سنة مضت، يبدو أنها شتت تركيز الأخوة في نيابة أمن الدولة، وأغرقتهم في تفاصيل دقيقة غير ضرورية، فتداخلت المعلومات، وضاعت الحقائق فضل المسار، ولذا فإننا نجد أن قائمة أدلة الإثبات التي أوردتها نيابة أمن الدولة، جاءت محتوية على معومات كثيرة، بل كثيرة جداً، بعضها صحيح وبعضها غير صحيح، وهي مع كثرتها إلا أنها ليس لها علاقة بحقيقة التهمة الموجهة إلينا، ولا تؤدي من الناحية المنطقية إلى إثباتها، فهي مقدمة لا تمت بصلة من قريب أو بعيد بالخاتمة أو النتيجة التي قدموها.
ولذلك أجدني مضطراً إلى التركيز على بعض أساسيات التهمة بدون الدخول في الردود التفصيلية على الوقائع المذكورة.
اتهمتنا نيابة أمن الدولة، بدون دليل معتبر، بأننا أسسنا تنظيماً يهدف إلى الاستيلاء على نظام الحكم في الدولة.
إن الافتراض الذي أقامت عليه النيابة تصورها في شأن توجيه هذه التهمة إلى كل المتهمين هو افتراض خاطئ بل فيه إهانة لنظام الحكم في دولة الإمارات، وهو يقوم على أساس أن نظام الحكم في الدولة ضعيف، آيل للسقوط، وسهل الاستيلاء عليه، وهذا افتراض متهافت، لا نقبله ولا نرضى به.
إنه افتراض يقوم على اعتبار بساطة الحكام، حاشاهم الله، الذين يدعمون ويرعون أنشطة دعوة الإصلاح لما يقارب الأربعين سنة. لقد وعى أصحاب السمو وعلى رأسهم صاحب السمو الوالد والأخ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله ورعاه، لقد وعى تمام الوعي أن من أهم الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الإمارات منذ نشأة الدولة، بل يقوم عليها نظامنا القبلي قبل ذلك بمئات السنين، هي النظرة الأبوية الأصيلة، فشيخ القبيلة لدينا بمثابة الوالد الكبير لأبناء قبيلته ومن يعيش في حماهم، وإن كان أصغرهم سناً، فهو أب بحكمته في إدارة شؤونهم، وهو أب بأخلاقه في حل خلافاتهم ونزاعاتهم، ولا يمكن استدراجه ليكون خصماً لأبنائه. وكان هذا هو صمام الأمان الحقيقي الذي وقانا كثيراً من الأزمات لعقود طويلة، قبل ولادة القوانين ونصوصها القاصرة عن فهم هذه العلاقة السامية.
إن الأساس الذي قامت عليه هذه التهمة هو افتراض سذاجة شعب الإمارات الذي يمكن أن يصدق تهمة من هذا النوع، في عصر الوعي والعلم وحقوق الإنسان والتواصل بين الشعوب والثقافات. إن شعب الإمارات الأصيل، شعب قوي متماسك كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فلا يمكن أن يفرط بقيادته الرشيدة أو يسمح لأحد أن يتعدى عليها، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يفرط بفرد واحد من أبنائه بناءاً على تهمة لا أساس لها، فما بالك بهذا العدد الكبير من أبناء الإمارات الذين عرفهم الناس واختبر مواقفهم على مدى سنين طويلة.
يعذرني إخواني في جهاز أمن الدولة أن أكون صريحاً بعض الشيء في توضيح ملابسات هذه القضية، تبياناً للحقيقة وأملاً في إزالة الاختلاف.
إن اختلافنا في وجهات النظر مع جهاز أمن الدولة ليس بجديد، ولكنه أخذ منحىً تصعيدياً بعد مشاركة مجموعة من دعاة الإصلاح، في التوقيع على عريضة المجلس الوطني، إلى جانب مجموعة كبيرة من الأساتذة والمفكرين المواطنين عام (2011). ويؤسفنا أنه ترتب على ذلك مجموعة من ردود الفعل العنيفة، تمثلت في كثير من الإجراءات التضيقية، لعل على رأسها إغلاق جمعية الإصلاح ومجموعة من المؤسسات التجارية والاجتماعية، وكذلك سحب جنسيات سبعة من دعاة الإصلاح، وكان من الطبيعي أن يتألم جسم الدعوة من هذه الإجراءات ويرفع صوت آهاته على شكل رسائل إلى أصحاب السمو حكام الإمارات حفظهم الله، أو على شكل قضايا في المحاكم، أو على شكل مقالات تطالب بتدخل أهل الحكمة والرأي في رأب الصدع وفتح قنوات التفاهم والجمع القلوب.
وهنا يهمني التأكيد، أننا عندما ننتقد الممارسات الخاطئة لجهاز أمن الدولة، فإننا لا ننظر إليه باعتباره عدو، بل باعتباره واحداً من الأجهزة التنفيذية المهمة في الدولة، التي يمكن أن تقع في الخطأ والتقصير والانحراف، كما هو حال أي جهاز تنفيذي آخر في الدولة، كوزارة التربية أو الصحة أو غيرها ... ، وخاصة لوجود العلاقة المباشرة مع الناس والمجتمع، وأجهزة الشرطة ترفع دائماً شعار "الشرطة في خدمة المجتمع".
إن النقد الموجه إلى جهاز الأمن على وجه الخصوص لا يجوز أن يحول أن يتهم دعاة الإصلاح "بالتشهير بالدولة" ، بل إن النقد البناء الواعي لأي جهاز من أجهزة الدولة هو في الحقيقة خدمة للوطن وعمل على رقيه.
لقد حرصت دعوة الإصلاح أن تكون من الأمة التي ذكرها الله تعالى في قوله: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون". وذلك أداءً لواجب الدعوة إلى الله وخدمة الوطن. وجعل دعاة الإصلاح خلال مسيرة ما يقارب أربعين سنة قوله تعالى: " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله" شعاراً لهم.
فساهموا إلى جانب كثير من الخيرين في مجتمع الإمارات لتبني كثير من المبادرات والبدائل الإسلامية الخيرية النافعة منذ الأيام الأولى لدولتنا الحبيبة، ويمكن الرجوع إلى تفاصيل ذلك التاريخ الطويل في أدبيات الدعوة المنشورة، فإيجازها هنا سيكون مخلاً لصورتها الشاملة وأثرها المبارك. ولقد تقبل مجتمع الإمارات، وعلى رأسه أصحاب السمو حكام الإمارات هذه الدعوة المباركة ودعموها مادياً ومعنوياً.
وأجد من الضروري هنا، إلقاء مزيد من الضوء على مسألة علاقة دعوة الإصلاح بجمعية الإصلاح. فمع أنه قد تكلم فيها عدد من الأخوة قبلي، إلا أنني أظن أنها مازالت بحاجة إلى توضيح العلاقة من خلال الهيكل الإداري للجمعية.
يوجد في الهيكل الإداري لجمعية الإصلاح، منصب رئيس الجمعية، وقد تم تكليفي بهذه المسؤولية بصورة رسمية من قبل صاحب السمو الوالد الشيخ صقر بن محمد القاسمي رحمة الله عليه وذلك حال عودتي من الدراسة من الخارج، في نهاية التسعينيات. كما يوجد في هيكل الجمعية ثلاثة أقسام رئيسية، وهي القسم الخيري، وأسميناه، اسم شهرة، "الرحمة للأعمال الخيرية"، وقسم ثانٍ للأنشطة، وأسميناه "النشاط الاجتماعي"، وقسم ثالث للدعوة، وأسميناه "دعوة الإصلاح"، ولكل قسم من هذه الأقسام رئيس مستقل، يتم اختياره من داخل ذلك القسم، وهذا ما تم بالنسبة للعبد الفقير، حيث تم اختياري كذلك رئيساً لقسم دعوة الإصلاح في عام 2005 ، وذلك إضافة إلى عملي الأصلي وهو رئاسة الجمعية، ولعل هذا التداخل كان سبب الالتباس الذي وجدته عند البعض.
إن هذا التوضيح يبين بجلاء أن مسؤوليتي في رئاسة الجمعية ورئاسة دعوة الإصلاح، كان بصورة رسمية كاملة، وهي من الصلاحيات التي تركها دستور الدولة لأصحاب السمو حكام الإمارات، كل في إمارته. ولذلك فإن أعضاء دعوة الإصلاح ينطبق عليهم التخويل المذكور في المادة 54 من قانون العقوبات التي نصت: "لا جريمة إذا كان الفعل قياماً بواجب تأمر به الشريعة أو القانون، إذا كان من وقع منه الفعل مخولاً بذلك قانوناً".
قضية أخرى أظن أنها بحاجة إلى مزيد من التوضيح، وهي قضية السرية والعلنية، التي ركزت عليها نيابة أمن الدولة كثيراً في تقاريرها ومناقشاتها في جلسات المحكمة، كما أسمتنا أمام وسائل الإعلام بالتنظيم السري.
أنا أسأل ماذا بقي من السرية إذا كان مجلس إدارة دعوة الإصلاح، رئيساً و أعضاءً، أسماؤهم معلنة في الانترنت ووسائل الإعلام، وكذلك الحال بالنسبة لكل لجنة من لجان العمل؟؟
إضافة إلى ذلك فإن لأعضاء الجمعية استمارات عضوية، ومثبتة أسماؤهم في السجل الرسمي للأعضاء داخل الجمعية حسب الأصول المرعية في جمعيات النفع العام.
أما المناهج التي تدرس في الحلقات التربوية، فهي كذلك معلنة في الانترنت بعناوينها وتفاصيل محتوياتها.
اعتماداً على هذا وغيره، أزعم أن الوضوح الذي تتبناه جمعية الإصلاح وأقسامها المختلفة، بما فيها دعوة الإصلاح، أكثر من العديد من أخواتها من الجمعيات ذات النفع العام المباركة والمنتشرة في الدولة، فضلاً عن الكثير من الجمعيات المحلية والأجنبية التي تعمل في ساحة الإمارات بدون ترخيص رسمي.
وهنا قد يطرح تساؤل، إذن لماذا تم تبني مشروع العلنية مادام كما تقول، أنكم عمل علني واضح؟ وللإجابة أبين هنا، أن العلنية تعتبر أحد معايير الجودة التي تتبناها الدعوة، بصورة مستمرة عبر السنوات، منذ نشأة الدعوة، مثلها كمثل بقية معايير الجودة، كالوازع الإيماني، أو الوعي الفكري، أو التطوع الاجتماعي، ولكل منها مشروعاً مستقلاً، يحول المعيار إلى برامج عملية، ولكل مرحلة في تاريخ الدعوة أولوياتها في معايير الجودة والمشاريع التي تطرحها. وعلينا هنا أن لا نخلط بين السرية والخصوصية الموجودة في دعوة الإصلاح كأي مؤسسة تجارية أو خيرية.
كما أن الإعلان من حيث المعنى الاصطلاحي، ليس شرطاً أن يكون تعريفاً لمسألة سرية، بل قد يكون مزيداً من التعريف لما هو معروف أصلاً، كما هو الحال في الإعلان المتكرر في وسائل الإعلام لماركة معينة، من أجل مزيد من التعريف والانتشار.
إننا نعرب عن استغرابنا لهذا التعامل العنيف الذي أخضعنا له الإخوة في جهاز الأمن خلال فترة الاعتقال، سواء من الناحية المادية أو المعنوية، رغم استنكارنا لتلك الظروف، ومحاولتنا الدفع بالتي هي أحسن، إلا أن الإجابة التي كانت تصلنا بالفعل لا بالقول، ولسان الحال أبلغ من المقال، هذه الرسالة المتكررة مفادها: "أننا قد حسمنا أمرنا، فلم تعودوا تستحقون أي نوع من الرحمة أو التقدير، ومهما دافعتم عن أنفسكم، فإن ذلك لن يجدي شيئاً فسلطتنا فوق أي سلطة، وقوتنا فوق أي قانون".
والأمثلة التي تدلل على ذلك كثيرة، أوردها الإخوة في الانتهاكات التي تعرضوا لها، ولكني أذكر هنا قضية واحدة يمكن أن تؤثر على سير العدالة، وهي على سبيل المثال فقط، أقف أمامكم اليوم، في مرافعتي الأخيرة، ومع ذلك، فإني لم أحظ بلقاء واحد مع المحامي الرئيسي الموكل بملفي، بعد استلامه لأوراق القضية، رغم طلباتي المتكررة منذ الأسبوع الأول لاعتقالي، ورغم حضوره إلى السجن مراراً ولكن يقابل برفض اللقاء، وذلك رغم أمركم يا سعادة المستشار بتيسير زياراته.
إن دعاة الإصلاح يؤكدون أن حبهم لوطنهم وولائهم لربهم ثم لولاة الأمر في دولتنا الغالية، لا يمكن أن تزعزعه حادثات الليالي مهما كانت قاسية، بل تزيدها رسوخاً وثباتاً، وإصراراً على مواصلة العطاء والتضحية من أجل وطننا الغالي.
إن ولاءنا لربنا ثم لولاة الأمر ليس تكتيكاً مرحلياً بل هو أساس ثابت من الثوابت الشرعية في دعوة الإصلاح، ولذلك فقد كان نهجنا الذي نؤكده بصورة مستمرة: "إن حكامنا حفظهم الله ورعاهم، يعتبرون خطاً أحمر، لا يجوز تجاوزه بأي حال من الأحوال". ولهم علينا حق الطاعة والنصح بالمعروف.
إن الوطنية الحقيقية ليست قولاً باللسان فحسب، بل لابد أن يصدقه الفعل والعمل، وتظهر مكانتها الحقيقية لدى المواطن إذا اختبرت بالبلاء ومواقف التضحية. إن من أشكال الوطنية الحقيقية، أن تعلم أنك قد تبتلى في سبيل إصلاح وطنك ودعوة قومك إلى الخير ولا يثنيك ذلك عن هدفك السامي، هي أن تعلم أنك قد تخسر وظيفتك أو تجارتك أو سمعتك، وقد تدخل السجن وتعرض للتعذيب، وتحتسب كل ذلك عند ربك، وكفاك شرفاً عنده أن تكون ممن ذكرهم الله في تعالى في قوله: "... والله يحب الصابرين".
لقد تعلمت أنا شخصياً، دروساً في الوطنية عندما رأيت أبنائي الشباب على كراسي الاتهام في هذه القضية، ومع ذلك فإن ابتسامة الرضى بقضاء الله تعالى لا تفارق وجوههم النضرة، تلذذاً بخدمة دينهم ووطنهم.
لقد عاش دعاة الإصلاح، بل عاش الوطن بأكمله، خلال الشهور السابقة، محنة عصيبة، نحمد الله تعالى الذي لا يحمد على مكروه سواه، والله سبحانه وتعالى ألطف بعباده من عباده بأنفسهم. "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" ، "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" ، فعسى أن تكون هذه المحنة العصيبة مدخلاً للخير للدعوة الإسلامية وللوطن. وطريقاً للتصافي وتقارب القلوب، وسبيلاً إلى التفاهم، خاصة أنه لم يكن لدينا، نحن دعوة الإصلاح، إلا مطلب رئيسي واحد، وهو أن يكون لنا حق كأي مواطن كفل له الدستور حق التجمع في جمعية مرخصة، في ضوء الأنظمة والقوانين، وتحت عين الجهات المسؤولة.
"حسبنا الله ونعم الوكيل"
"حسبي الله الذي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم"
"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
صدق الله العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق